الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٦١
لله عز وجل بذلك فاسق مجرح الشهادة صادق الحق أو لم يصادفه لأنه لم يقصده من حيث أمر من اتباع النصوص وقد بينا برهان هذا فيما سلف من ديواننا هذا وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال قائل: فإنكم على هذا يلزمكم أن كل من قال من الصحابة أو من التابعين وفقهاء الأمة وخيارها بقول يخالف قولكم في كل مسألة، فإنه داخل فيما ذكرتم من التكفير أو التفسيق أو الكذب، وفي هذا ما فيه.
قلنا: هذه دعوى منكم كاذبة، بل هو اللازم لكم، ولكل من قال: إن الحق في واحد من الأقوال، لأنكم في قوله لكم تزعمون في نصركم إياها أنها موافقة لما جاءه من عند الله تعالى، إما لقرآن أو لسنة مسندة أو مرسلة، وهما عندكم سواء في أمر الله تعالى بقبوله، أو لقياس، بل هو عندكم مما أمر الله تعالى به، فيلزمكم أن كل من خالفكم فيها من صاحب أو تابع أو فقيه: مخالف لما جاء من عند الله تعالى، والمخالف لما جاء من عند الله تعالى عندكم إما كافر وإما فاسق.
فإن قال: لا يكون كافرا ولا فاسقا ولا عاصيا إلا أن يعاند الحق الذي جاء من عند الله تعالى وهو يدري أنه حق.
قلنا: هذا نفس قولنا ولله الحمد، فإن كل من خالف قرآنا أو سنة صحيحة أو إجماعا متيقنا وهو لا يلوح له أنه مخالف لشئ من ذلك، فليس كافرا ولا عاصيا ولا فاسقا، بل هو مأجور أجرا واحدا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن اجتهد فأخطأ، ولا خطأ في شئ من الشريعة إلا في خلاف قرآن أو سنة صحيحة، فهذا برهاننا من السنة.
وأما من القرآن فقوله تعالى للمسلمين: * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * ومن الاجماع أنه لا خلاف بين أحد من الأمة أن من قرأ فبدل من القرآن بلفظ آخر أو أسقط كلاما أو زاد ساهيا مخطئا فإنه لا يكفر ولا يبتدع ولا يفسق ولا يعصي، وإنما الشأن فيمن قامت عليه الحجة، فعند وخالف الآية بعد أن وقف عليها، مقلدا أو متبعا لهواه، أو خالف السنة بعد أن عرفها كذلك، فهؤلاء هم الذين يقع عليهم التكفير والتفسيق، على حسب خلافهم لذلك إن استحلوا خلاف ذلك كفروا، وإن خالفوه معاندين غير مستحلين فسقوا.
(١١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1156 1157 1158 1159 1160 1161 1162 1163 1164 1165 1166 ... » »»
الفهرست