الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٦٥
مزيد عليه، فهذا كما قلنا في الآيات سواء بسواء إلا أنه لا يكفر إلا برد حديث ثبت عنده، وإن كان مختلفا في الاخذ به فكما قلنا في الآيات، إن خالف في ذلك ما هو الحق عنده معتقدا لذلك فهو كافر مخطئ عند الله تعالى، وإن خالف ذلك بلسانه دون قلبه فهو فاسق.
ومما ذكرنا أيضا قول من احتج في إباحة الصلاة في المقبرة بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على قبر المسكينة السوداء، وهو لا يبيح الصلاة على القبر، وأما لو اتخذ بهذا لكان هذا منه قياسا، لا صرفا للخبر عن وجهه.
وكمن احتج بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاث في رد الحج عن الميت وترك للصيام عنه وترك كشف رأسه إن مات محرما.
ومنها أن يدعي المرء في عموم آية نسخا أو تخصيصا، أو تخصيصا منها أو ندبا، فإن حق له دعواه في ذلك بنص صحيح فقوله حق مقطوع على صحته عند الله عز وجل، ومن قال: إن هذه الآية أو الخبر قد نسخها الله عز وجل أو خصهما أو خصص منهما أو يلزمنا ما فيهما أو أراد بهما غير ما يفهم منهما ولم يأت على دعواه بنص صحيح - فقد قال الله ما لم يعلم.
قال أبو محمد: وليس هؤلاء كمن تقدم ذكرنا لهم، لان من تعلق بنص لم يبلغه ناسخه ولا ما خصه ولا ما زيد به عليه - فقد أحسن ولزم ما بلغه، وليس عليه غير ذلك حتى يبلغه خلافه من نص آخر، ومن ذكرنا في هذا الفصل فلم يتعلق بشئ أصلا، بل تحكم في الدين كما اشتهى، وهذا عظيم جدا، فمن قال بهذا ممن نشاهده - ساهيا غير عارف بما اقتحم فيه من الدعوى - فهو معذور بجهله، ما لم ينبه على خطئه، فإن نبه عليه فثبت على خلاف ما بلغه عامدا فهذا غير معذور، لأنه خالف الحق بعد بلوغه إليه.
وأما من روي عنه شئ من ذلك من الصحابة أو التابعين أو ممن سلف، ممن يمكن أن يظن به أنه سمع في ذلك نصا شبه له فيه - فهؤلاء معذورون لأننا لا نظن بهم إلا أحسن الظن، وقد حضنا الله تعالى على أن نقول: * (ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) *.
قال أبو محمد: ولا يقين عندنا أنهم تحكموا في الدين بلا شبهة دخلت عليهم،
(١١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1160 1161 1162 1163 1164 1165 1166 1167 1168 1169 1170 » »»
الفهرست