الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٦٨
خص منه الأختين بملك اليمين قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) *.
وقال خصومنا: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن خص منه المأموم قوله عليه السلام: إذا قرأ القرآن فأنصتوا وقلنا نحن: قوله صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأ القرآن فأنصتوا خص أم القرآن منه قوله: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن.
وقال خصومنا: قول الله تعالى: خص النساء منه قوله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر امرأة إلا مع زوج أو ذي محرم وقلنا نحن إن قوله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر امرأة إلا مع زوج أو ذي محرم خص سفر الحج قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) *.
قال أبو محمد: فهذا وإن رجعنا استعمالنا للحديثين بدليل لازم صحيح، فإن متعلق خصومنا هنا قوي، ووجه خطأ من أخطأ ههنا خفي جدا، دقيق البتة، لا يؤمن في مثله الغلط على أهل العلم الواسع والفهم البارع والانصاف الشائع وليس كسائر ما قدمنا مما تقود إليه العصبية ولا يخفى وجه الخطأ فيه على من أنصف أو تورع. هذا ما لم يوجد فيه نص يشهد لاحد الاستعمالين، فإن وجد نص صحيح بذلك عاد الامر إلى ما قد ذكرناه في الفصول المتقدمة، ولا بد من وجوده لان الله تعالى قد ضمن لنا بيان الدين بقوله تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * فلا يجوز البتة أن يبقى في الدين شئ مشكل، بل هو كله مقطوع على أنه بين بيانا جليا، والحمد لله رب العالمين.
الوجه الثاني: أن يرد حديثان صحيحان متعارضان، أو آيتان متعارضتان أو آية معارضة لحديث صحيح تعرضا مقاوما، في أحد النصين منع وفي الثاني إيجاب في ذلك الشئ بعينه، لا زيادة في أحد النصين على الآخر، ولا بيان في أيهما الناسخ من المنسوخ، كالنص الوارد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قائما، والنص الوارد أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما، فإن من ترك الخبرين معا ورجع إلى الأصل الذي كان يجب لو لم يرد ذلك الخبران أو رجع أحد الخبرين على المعارض له بكثرة رواته أو بأنه رواه من هو أعدل ممن روى الآخر، وأحفظ وما أشبه هذا من وجوه الترجيحات التي قد أوردناها في باب الكلام في الاخبار من ديوننا هذا وبيان وجوه الصواب منها من الخطأ، فإن هذا أيضا
(١١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1160 1161 1162 1163 1164 1165 1166 1167 1168 1169 1170 » »»
الفهرست