الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٦٧
إذ الشبهة المتعلق بها في هذين الوجهين في غاية الوهاء لأنه دليل على صحتهما، بل البرهان قائم على بطلانهما، إلا أنهم قد تعلقوا في ذلك بأثرين واهيين ساقطين مصروفين أيضا عن وجههما، أحدهما الحديث المنسوب إلى معاذ، إلا أن من شبه عليه فظن أنه مصيب في ذلك فهو معذور مأجور، فإن قامت عليه الحجة بطلان الرأي والاستحسان فثبت على القول بهما فهو فاسق، لحكمه في الدين بما ليأذن به الله تعالى.
ومنها أن يتعلق بقول صاحب قد خالفه غيره من الصحابة، أو بقول عالم ممن دونه ممن قد خالفه غيره من العلماء، فهذا هو التقليد بعينه، وليس من فعل هذا مجتهدا أصلا، وهو حرام لا يحل، فمن قد رأته معذور في ذلك ولم يبلغه المنع منه ولا بلغه أن ههنا عالما آخر مخالفا لهذا الذي تعلق به فهو معذور، لأنه يظن أن هذا هو الحق وأما إذا بلغه أن عالما آخر مخالفا للذي تعلق هو به فهو فاسق. لأنه ليس بيده شبهة أصلا يتعلق بها في اتباع رجل بعينه دون غيره، بل هو ضلال مبين. ونعوذ بالله من الخذلان.
وأما الوجوه التي لا تقع فيها على تفسيق المخالف لنا ولا على أنه مخطئ عند الله تعالى، بل نقول نحن على الحق عند أنفسنا ومخالفنا عندنا مخطئ مأجور والله أعلم، فأدق ذلك وأغمضه أن ترد آيتان عامتان، أو حديثان صحيحان عامان، أو آية عامة وحديث صحيح، وفي كل واحدة من الآيتين، أو في كل واحد من الحديثين، أو في كل واحد من الآية والحديث - تخصيص لبعض ما في عموم النص الآخر منهما وذلك مثل قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * مع قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانكم) * وكقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن مع قوله صلى الله عليه وسلم: وقد ذكر الامام: وإذا قرأ القرآن فأنصتوا ومثل قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم فإن خصومنا يقولون: * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * وقد خص منه الأختين بملك اليمين قوله تعالى:
* (أو ما ملكت أيمانكم) * وقلنا نحن إن قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانكم)
(١١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1160 1161 1162 1163 1164 1165 1166 1167 1168 1169 1170 » »»
الفهرست