الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٣٥
وقالت طائفة: هو موجب للعلم أبدا إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل تشبيههم للعلة بالخبر.
قال أبو محمد: واحتج عليهم من سلف من أصحابنا فقالوا: ما تقولون في إنسان قال في حياته أو عند موته: أعتقوا عبدي ميمونا لأنه أسود، وله عبيد سود كثير، أتعتقونهم لعلة السواد الجامعة لهم، والتي جعلها علة في عتق ميمون قياسا على ميمون؟ أم لا تعتقون منهم أحدا حاشا ميمون وحده، فإن قلتم:
نعتقهم، نقضتم فتاويكم، وخالفتم الاجماع، وإن قلتم. لا نعتقهم تركتم القول بإجراء العلل وبالقياس وعدتم إلى قولنا.
قال أبو محمد: وهذا إلزام صحيح، ونحن نزيده بيانا فنقول، وبالله تعالى التوفيق:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأمراء سراياه: إذا نزلتم بأهل حصن أو مدينة فأرادوا أن تنزلوهم على حكم الله تعالى فلا تفعلوا، فإنكم لا تدرون أتوافقون حكم الله تعالى فيهم أم لا، ولكن أنزلوهم على حكمكم، ثم اقضوا فيهم ما شئتم، فإذا سألوكم أن تعطوهم ذمة الله عز وجل وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تعطوهم ذمة الله ولا ذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أعطوهم ذمتكم، فإن تخفروا ذمتكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، أو كلاما هذا معناه، فهذا نص جلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الاقدام على نسبة شئ إلى الله تعالى بغير يقين لا يحل، وأن نسبة ذلك إلى الانسان أهون وإن كان كل ذلك باطلا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان كذبا علي ليس ككذب على أحد، فلو جاز أن يقال بالقياس وبالفعل لكان الاقدام به على كلام الناس، وأحكامهم أولى من الاقدام به على الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فلما اتفقوا على أن من قال: أعتقوا عبدي سالما لأنه أسود، وله عبيد سود أنه لا يعتق غير سالم وحده الذي نص عليه، اتقاء أن يعتقه، وخوفا من تبديل أمر الموصي وكلامه، فإن الأولى بهم أن يتقوا الله عز وجل في قوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن الذبح بالسن: فإنه عظم. وفي أمره صلى الله عليه وسلم بهرق السمن إذا مات فيه الفأر، فلا يتعدوا ذلك إلى كل عظم وكل زيت وكل دهن وكل كلب وكل سنور. وفي أمره صلى الله عليه وسلم البائل في الماء الراكد الذي لا يجزي
(١١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1130 1131 1132 1133 1134 1135 1136 1137 1138 1139 1140 ... » »»
الفهرست