الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٣٦
أن لا يتوضأ منه ولا يغتسل، فلا يتعدوه إلى المحدث في الماء، ولا إلى ما لم يبل فيه أصلا، فإن الأوجب عليهم ألا ينسبوا إلى الله تعالى ولا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم تعليلا لم ينصا عليه، وأحكاما لم يأذنا بها ولا ذكراها أصلا، ولا في كلامهما ما يوجبهما البتة، ولكنهم اتقوا أن ينسبوا إلى الناس ما لا يقولون، ولم يتقوا أن ينسبوا إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يقولا، وحسبك بهذا عظيمة، نعوذ بالله منها.
وقد شغب بعضهم في هذا السؤال بأن قال: كنا نعتق سائر عبيده السودان لو أن الموصي يقول لنا بعقب قوله: أعتقوا عبدي سالما لأنه أسود واعتبروا - فكنا حينئذ نعتق كل عبد له أسود.
قال أبو محمد: وهذا جواب فاسد من وجهين: أحدهما: أنه حتى لو قال ذلك ما جاز أن يعتق كل عبد له أسود، لأنه ليس قوله اعتبروا أولى بأن يكون معناه قيسوا منه بأن يكون معناه واعتبروا بحالي التي أنا فيها فبادروا إلى طاعة ربكم ولا تخالفوا وصيتي.
وأيضا فيلزم من أجاب بهذا الجواب الفاسد ألا يقيس على شئ من الاحكام إلا حتى يكون إلى جنب كل حديث فيه حكم أو كل آية فيها حكم، واعتبروا واعتبروا وهذا غير موجود في شئ من الاحكام ولا في الحديث ولا في صلة شئ من الآيات، فبطل القياس جملة بنص قوله هذا المجيب، ولله تعالى الحمد.
قال أبو محمد: والسؤال باق بحسبه عليهم ونزيدهم فيه فنقول: حتى لو قال:
فاعتبروا، ثم لما كان نهارا آخر قال: اذبحوا كبشي الفلاني، لأنه أعرج وله كباش عرج، أيذبحون كل كبش له أعرج، من أجل قوله بالأمس في أمر عتق عبد واعتبروا؟. أم لا يقدمون على ذلك إلا حتى يكون عند وصيته به واعتبروا؟.
فإن قالوا: نكتفي بقوله: واعتبروا مرة واحدة، خرقوا الاجماع، وهذا أمر لا يقولونه، ولو قالوه لكانوا حاكمين بلا دليل، ومدعين بلا برهان، وإن لم يقولوا بذلك فقد تركوا القياس جملة، ولزمهم طلب هذه اللفظة إلى جنب كل آية وحديث وهذا لا يجدونه أبدا.
قال أبو محمد: وقد قال بعضهم في جواب هذا السؤال، إذ تتبعنا عليهم إدخالهم
(١١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1131 1132 1133 1134 1135 1136 1137 1138 1139 1140 1141 ... » »»
الفهرست