الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٤٠
بطلان ما ادعاه خصومنا من العلل القياس نصا، وقال تعالى لموسى عليه السلام:
* (اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) *.
فكان كون موسى عليه السلام بالوادي المقدس سببا لخلع نعليه، ونحن نكون بذلك الوادي، وبكل مكان مقدس كمكة والمدينة وبيت المقدس، ولا يلزمنا خلع نعالنا، ولو كان دخول الوادي المقدس علة للخلع للزمنا ذلك.
وقال تعالى: * (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) *.
قال أبو محمد: هذه آية كافية إنه لا يحل التعليل في شئ من الدين، ولا أن يقول قائل: لم حرم هذا وأحل هذا؟ فقد صح قولنا: إن قول القائل: حرم البر بالبر لأنه مكيل، أو أنه مدخل، أو أنه مأكول، بدعة نعوذ بالله منها.
فصل قال أبو محمد: ونحن نورد - إن شاء الله تعالى - طرفا يسيرا من تناقضهم في التعليل، لندل بذلك عن إفساد مذهبهم، فتناقضهم لو تتبع لدخل في أزيد من ألف ورقة، ولعل الله تعالى يعيننا على تقصى ذلك في كتاب الاعراب إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها فكان يلزمهم أيجعلوا ما حرم أكله محرما بيعه، لكنهم لم يفعلوا ذلك، بل كثير منهم يبيحون بيع الزبول ولا خلاف أن أكل الحيوان حيا كما هو محرم ولا خلاف في جواز بيع أكثره.
وكذلك فعلوا في قوله صلى الله عليه وسلم في الاستحاضة، فإنه عرق، فكان يلزمهم أن يجعلوا كل عرق يسيل من الجسد في مثل حكم المستحاضة، كما جعلوا الميعان في الزيت علة لتحريمه إن مات فيه فأر قياسا على السمن، لكنهم تناقضوا في ذلك. وهذا إجماع منهم على ترك الحكم بالعلل والقياس، وهكذا يكون الباطل مرة مصحوبا ومرة متروكا، وصح قولنا: إن ما كان سببا في مكان نص عليه لحكم ما فلا يكون سببا في مكان آخر لم ينص عليه لمثل ذلك الحكم.
فقالوا: معنى التعليل هو إجراء صفة الأصل في فروعه.
(١١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1135 1136 1137 1138 1139 1140 1141 1142 1143 1144 1145 ... » »»
الفهرست