الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٢٩
اتفقا عليه، ومثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: إذنك على أن يرفع الحجاب وأن تستمع سوادي حتى أنهاك فكان رفع الحجاب واستماع حركة النبي صلى الله عليه وسلم علامة الاذن لابن مسعود، وكقوله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار فكانت أصوات الأشعريين بالقرآن علامة لموضع نزولهم، ومن هذا أخذت الاعلام الموضوعة في الفلوات لهداية الطريق، والاعلام في الجيوش لمعرفة موضع الرئيس.
وقال أبو محمد: وهذا معنى رابع.
وقد سمي أيضا العلل معاني، وهذا من عظيم شغبهم، وفاسد متعلقهم، وإنما المعنى تفسير اللفظ، مثل أن يقول قائل: معنى الحرام؟ فتقول له هو كل ما لا يحل فعله، أو يقول: معنى الفرض، فنقول: هو كل ما لا يحل تركه، أو يقول: ما الميزان؟. فنقول له: آلة يعرف بها تباين مقادير الاجرام، فهذا وما أشبه هو المعاني وهذا أيضا شئ خامس.
وكل هذا لا يثبت علة الشرائع ولا يوجب قياسا، لان العلامة إذا كانت موضوعة لان يعرف بها شئ ما، فلا سبيل إلى أن يعرف بها شئ آخر بوجه من الوجوه، لأنه لو كان ذلك لما كانت علامة لما جعلت له علامة، ولوقع الاشكال.
قال أبو محمد: فلما كانت هذه المعاني المسماة الخمسة التي ذكرنا، مختلفة متغايرة كل واحد منها غير الآخر، وكانت كلها مختلفة الحدود والمراتب، وجب أن يطلق على كل واحد منها اسم غير الاسم الذي لغيره منها. ليقع الفهم واضحا، ولئلا تختلط فيسمى بعضها باسم آخر منها، فيوجب ذلك وضع معنى في غير موضعه، فتبطل الحقائق.
والأصل في كل بلاء وزعماء تخليط وفساد، اختلاط أسماء ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والاشكال، وهذا في الشريعة أضر شئ وأشده هلاكا لمن اعتقد الباطل، إلا من وفقه الله تعالى.
فإذا قد بينا هذه الأسماء الأربعة، وهي: العلة والغرض والسبب والعلامة، وبينا
(١١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1124 1125 1126 1127 1128 1129 1130 1131 1132 1133 1134 ... » »»
الفهرست