الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٢٧
فإن قالوا: بل هي من فعل الله عز وجل وحكمه قلنا لهم أخبرونا عنكم أفعلها الله تعالى لعلة أم فعلها لغير علة فإن قالوا فعلها تعالى لغير علة تركوا أصلهم وأقروا أنه تعالى يفعل الأشياء لا لعلة أو قيل لهم أيضا ما الذي أوجب أن تكون الاحكام الثواني لعلل وتكون الافعال الأول التي هي علل هذه الأحكام لا لعلل؟ وهذا تحكم بلا دليل ودعوى ساقطة لا برهان عليها وإن قالوا بل فعلها تعالى لعلل اخر سئلوا في هذه العلل أيضا كما سئلوا في التي قبلها وهكذا أبدا فلا بد لهم ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما إما ان يقفوا في أفعال ما فيقولون إنه فعلها لغير علة فيكونون بذلك تاركين لقولهم الفاسد إنه تعالى لا يفعل شيئا إلا لعلة أو يقولون بمفعولات لا نهاية لها وبأشياء موجودة لا أوائل لها وهذا كفر وخروج عن الشريعة بإجماع الأمة.
وقبح الله قولا لا يضطر قائله إلى مثل هذه المواقف فبطل قولهم في العلل وصح قولنا إن الله تعالى يفعل ما يشاء لا لعلة أصلا بوجه من الوجوه بهذا البرهان الضروري الذي لا انفكاك عنه وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: ويكفي من هذا كله أن جميع الصحابة رضي الله عنهم أولهم عن آخرهم وجميع التابعين أولهم عن آخرهم وجميع تابعي التابعين ولهم عن وإنما ابتدع هذا القول متأخروا القائلين بالقياس.
وأيضا فدعواهم إن هذا الحكم به الله تعالى لعلة كذا فرية ودعوى لا دليل عليها ولو كان هذا الكذب على أحد من الناس لسقط قائله فكيف على الله عز وجل.
ولسنا ننكر وجود أسباب لبعض أحكام الشريعة بل نثبتها ونقول بها لكنا نقول إنها لا تكون أسبابا إلا حيث جعلها الله تعالى أسبابا ولا يحل أن يتعدى بها المواضع التي نص فيها عل أنها أسباب لما جعلت أسبابا له وقد بينا أن كثيرا من ذلك في أول هذا الباب.
قال أبو محمد ومن عجائب هؤلاء القوم أنهم لو قيل لهم تعمدوا الباطل
(١١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1122 1123 1124 1125 1126 1127 1128 1129 1130 1131 1132 ... » »»
الفهرست