تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٦٩
قوله: " و نجيناه وأهله من الكرب العظيم - إلى أن قال - إنا كذلك نجزي المحسنين " الصافات: 80.
قوله تعالى: " ولقد تركناها آية فهل من مدكر " ضمير " تركناها " للسفينة على ما يفيده السياق واللام للقسم، والمعنى: أقسم لقد أبقينا تلك السفينة التي نجينا بها نوحا والذين معه، وجعلناها آية يعتبر بها من اعتبر فهل من متذكر يتذكر بها وحدانيته تعالى وأن دعوة أنبيائه حق، وأن أخذه أليم شديد؟ ولازم هذا المعنى بقاء السفينة إلى حين نزول هذه الآيات علامة دالة على واقعة الطوفان مذكرة لها، وقد قال بعضهم في تفسير الآية على ما نقل: أبقى الله سفينة نوح على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة (1)، انتهى. وقد أوردنا في تفسير سورة هود في آخر الأبحاث حول قصة نوح خبر أنهم عثروا في بعض قلل جبل آراراط وهو الجودي قطعات أخشاب من سفينة متلاشية وقعت هناك، فراجع.
وقيل: ضمير " تركناها " لما مر من القصة بما أنها فعله.
قوله تعالى: " فكيف كان عذابي ونذر " النذر جمع نذير بمعنى الانذار، وقيل:
مصدر بمعنى الانذار. والظاهر أن " كان " ناقصة واسمها " عذابي " وخبرها " فكيف "، ويمكن أن تكون تامة فاعلها قوله: " عذابي " وقوله: " فكيف " حالا منه.
وكيف كان فالاستفهام للتهويل يسجل به شدة العذاب وصدق الانذار.
قوله تعالى: " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " التيسير التسهيل وتيسير القرآن للذكر هو إلقاؤه على نحو يسهل فهم مقاصده للعامي والخاصي والأفهام البسيطة والمتعمقة كل على مقدار فهمه.
ويمكن أن يراد به تنزيل حقائقه العالية ومقاصده المرتفعة عن أفق الافهام العادية إلى مرحلة التكليم العربي تناله عامة الافهام كما يستفاد من قوله تعالى: " إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " الزخرف: 4.
والمراد بالذكر ذكره تعالى بأسمائه أو صفاته أو أفعاله " قال في المفردات: الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للانسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ

(1) رواه في الدر المنثور عن عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة.
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست