تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٦٧
(بيان) إشارة إلى بعض ما فيه مزدجر من أنباء الأمم الدارجة خص بالذكر من بينهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون فذكرهم بأنبائهم وأعاد عليهم إجمال ما قص عليهم سابقا من قصصهم وما آل إليه تكذيبهم بآيات الله ورسله من أليم العذاب وهائل العقاب تقريرا لقوله: " ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر ".
ولتوكيد التقرير وتمثيل ما في هذه القصص الزاجرة من الزجر القارع للقلوب عقب كل واحدة من القصص بقوله خطابا لهم: " فكيف كان عذابي ونذر " ثم ثناه بذكر الغرض من الانذار والتخويف فقال: " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ".
قوله تعالى: " كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر " التكذيب الأول منزل منزلة اللازم أي فعلت التكذيب، وقوله: " فكذبوا عبدنا " الخ، تفسيره كما في قوله: " ونادى نوح ربه فقال " الخ، هود: 45.
وقيل: المراد بالتكذيب الأول التكذيب المطلق وهو تكذيبهم بالرسل، وبالثاني التكذيب بنوح خاصة كقوله في سورة الشعراء: " كذبت قوم نوح المرسلين " الشعراء: 105، والمعنى: كذبت قوم نوح المرسلين فترتب عليه تكذيبهم لنوح، وهو وجه حسن.
وقيل: المراد بتفريع التكذب على التكذيب الإشارة إلى كونه تكذيبا إثر تكذيب بطول زمان دعوته فكلما انقرض قرن منهم مكذب جاء بعدهم قرن آخر مكذب، وهو معنى بعيد.
ومثله قول بعضهم: إن المراد بالتكذيب الأول قصده وبالثاني فعله.
وقوله: " فكذبوا عبدنا " في التعبير عن نوح عليه السلام بقوله: " عبدنا " في مثل المقام تجليل لمقامه وتعظيم لامره وإشارة إلى أن تكذيبهم له يرجع إليه تعالى لأنه عبد لا يملك شيئا وما له فهو لله.
وقوله: " وقالوا مجنون وازدجر " المراد بالازدجار زجر الجن له إثر الجنون، والمعنى:
ولم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه إلى الجنون فقالوا هو مجنون وازدجره الجن فلا يتكلم إلا عن زجر وليس كلامه من الوحي السماوي في شئ.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست