تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٠
نتخيل ونتفكر وليست هذه الرؤية ببصر أو بشئ من الحواس الظاهرة أو الباطنة فإنا كما نشاهد مدركات كل واحدة من هذه القوى بنفس تلك القوة كذلك نشاهد إدراك كل منها لمدركها وليس هذه المشاهدة بنفس تلك القوة بل بأنفسنا المعبر عنها بالفؤاد.
وليس في الآية ما يدل على أن متعلق الرؤية هو الله سبحانه وأنه لمرئي له صلى الله عليه وآله وسلم بل المرئي هو الأفق الاعلى والدنو والتدلي وأنه أوحي إليه فهذه هي المذكورة في الآيات السابقة وهي آيات له تعالى، ويؤيد ذلك ما ذكره تعالى في النزلة الأخرى من قوله: " ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ".
على أنها لو دلت على تعلق الرؤية به تعالى لم يكن به بأس فإنها رؤية القلب ورؤية القلب غير رؤية البصر الحسية التي تتعلق بالأجسام ويستحيل تعلقها به تعالى وقد قدمنا كلاما في رؤية القلب في تفسير سورة الأعراف الآية 143.
وما قيل: إن ضمير " ما رأى " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى: ما قال فؤاده صلى الله عليه وآله وسلم لما رآه ببصره لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره، ومحصله أن فؤاده صدق بصره فيما رآه.
وكذا ما قيل: إن المعنى أن فؤاده لم يكذب بصره فيما رآه بل صدقه واعتقد به، ويؤيده قراءة من قرأ " ما كذب " بتشديد الذال.
ففيه أن الذي يعطيه سياق الآيات تأييده تعالى صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يدعيه من الوحي ورؤية آيات الله الكبرى، ولو كان ضمير " ما رأى " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان محصل معنى الآية الاحتجاج على صدق رؤيته باعتقاده ذلك بفؤاده وهو بعيد من دأب القرآن وهذا بخلاف ما لو رجع ضمير " ما رأى " إلى الفؤاد فإن محصل معناه تصديقه تعالى لفؤاده فيما رآه ويجري الكلام على السياق السابق الآخذ من قوله: " ما ضل صاحبكم وما غوى إن هو إلا وحي يوحى " الخ.
فان قلت: أنه تعالى يحتج في الآية التالية " أفتمارونه على ما يرى " برؤيته صلى الله عليه وسلم على صدقه فيما يدعيه فليكن مثله الاحتجاج باعتقاد فؤاده بما يراه بعينه.
قلت: ليس قوله: " أفتمارونه على ما يرى " مسوقا للاحتجاج برؤيته على صدقه بل توبيخ على مماراتهم إياه صلى الله عليه وآله وسلم على أمر يراه ويبصره ومجادلتهم إياه فيه، والمماراة والمجادلة
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست