الخلاف فلا يتعين فيه المدرك على ما هو عليه في الواقع فلا مجوز لان يعتمد عليه في الحقائق قال تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم " أسرى: 36.
وأما العمل بالظن في الاحكام العملية فإنما هو لقيام دليل عليه يقيد به إطلاق الآية، وتبقى الأمور الاعتقادية تحت إطلاق الآية.
قال بعضهم: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: " إن الظن لا يغني " ليجري الكلام مجرى المثل.
قوله تعالى: " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا " تفريع على اتباعهم الظن وهوى الأنفس، فقوله: " فأعرض عمن " الخ، أمر بالاعراض عنهم وإنما لم يقل: فأعرض عنهم، ووضع قوله: " من تولى عن ذكرنا " الخ، موضع الضمير للدلالة على علة الامر بالاعراض كأنه قيل: إن هؤلاء يتركون العلم ويتبعون الظن وما تهوى الأنفس وإنما فعلوا ذلك لأنهم تولوا عن الذكر وأرادوا الحياة الدنيا فلا هم لهم إلا الدنيا فهي مبلغهم من العلم، وإذا كان كذلك فأعرض عنهم لأنهم في ضلال.
والمراد بالذكر إما القرآن الذي يهدي متبعيه إلى الحق الصريح ويرشدهم إلى سعادة الدار الآخرة التي وراء الدنيا بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة التي لا تبقى معها وصمة شك.
وإما ذكر الله بالمعنى المقابل للغفلة فإن ذكره تعالى بما يليق بذاته المتعالية من الأسماء والصفات يهدي إلى سائر الحقائق العلمية في المبدء والمعاد هداية علمية لا ريب معها.
قوله تعالى: " ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى " الإشارة بذلك إلى أمر الدنيا وهو معلوم من الآية السابقة وكونه مبلغ علمهم من قبيل الاستعارة كأن العلم يسير إلى المعلوم وينتهي إليه وعلمهم انتهى في مسيره إلى الدنيا وبلغها ووقف عندها ولم يتجاوزها، ولازم ذلك أن تكون الدنيا متعلق إرادتهم وطلبهم، وموطن همهم، وغاية آمالهم لا يطمئنون إلى غيرها ولا يقبلون إلا عليها.
وقوله: " إن ربك هو أعلم " الخ، تأكيد لمضمون الجملة السابقة وشهادة منه تعالى عليه.
قوله تعالى: " ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " يمكن أن يكون صدر الآية حالا من فاعل " أعلم " في الآية السابقة والواو للحال، والمعنى: إن ربك هو أعلم بالفريقين الضالين والمهتدين والحال أنه يملك ما في السماوات وما في الأرض فكيف يمكن أن لا يعلم بهم وهو مالكهم؟