تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٤٥
السلام إلى بيان وجه الحق فيها، والى ما هو الحق الصريح فيما تعرض له الفصل السابق من أباطيل المشركين من أنهم إنما يعبدون الأصنام لأنها تماثيل الملائكة الذين هم بنات الله يعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله سبحانه وقد أبطلتها الآيات السابقة أوضح الابطال.
وقد أوضحت هذه الآيات ما هو وجه الحق في الربوبية والألوهية وهو أن الخلق والتدبير لله سبحانه، إليه ينتهي كل ذلك، وأنه خلق ما خلق ودبر ما دبر خلقا وتدبيرا يستعقب نشأة أخرى فيها جزاء الكافر والمؤمن والمجرم والمتقي ومن لوازمه تشريع الدين وتوجيه التكاليف وقد فعل، ومن شواهده إهلاك من أهلك من الأمم الدارجة الطاغية كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكة.
ثم عقب سبحانه هذا الذي نقله عن صحف النبيين الكريمين بالتنبيه على أن هذا النذير من النذر الأولى الخالية وأن الساعة قريبة، وخاطبهم بالامر بالسجود لله والعبادة، وبذلك تختتم السورة.
قوله تعالى: " أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى " التولي هو الاعراض والمراد به بقرينة الآية التالية الاعراض عن الانفاق في سبيل الله، والاعطاء الانفاق والاكداء قطع العطاء، والتفريع الذي في قوله: " أفرأيت " مبني على ما قدمنا من تفرع مضمون هذه الآيات على ما قبلها.
والمعنى: فأخبرني عمن أعرض عن الانفاق وأعطى قليلا من المال وأمسك بعد ذلك أشد الامساك.
قوله تعالى: " أعنده علم الغيب فهو يرى " الضمائر لمن تولى والاستفهام للانكار والمعنى:
أيعلم الغيب فيترتب عليه أن يعلم أن صاحبه يتحمل عنه ذنوبه ويعذب مكانه يوم القيامة لو استحق العذاب. كذا فسروا.
والظاهر أن المراد نفى علمه بما غاب عنه من مستقبل حاله في الدنيا والمعنى: أيعلم الغيب فهو يعلم أنه لو أنفق ودام على الانفاق نفد ماله وابتلي بالفقر وأما تحمل الذنوب والعذاب فالمتعرض له قوله الآتي: " أن لا تزر وازرة وزر أخرى ".
قوله تعالى: " أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى " صحف موسى التوراة، وصحف إبراهيم ما نزل عليه من الكتاب والجمع للإشارة إلى كثرته بكثرة أجزائه.
والتوفية تأدية الحق بتمامه وكماله، وتوفيته عليه السلام تأديته ما عليه من الحق في العبودية
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست