تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٤٨
انتهاء الأشياء إليه من حيث البدء وهو الفطر، وانتهاءها إليه من حيث العود والرجوع وهو الحشر.
ومما تقدم يظهر ضعف ما قيل في تفسير الآية إن المراد بذلك رجوع الخلق إليه سبحانه يوم القيامة، وكذا ما قيل: إن المعنى أن إلى ثواب ربك وعقابه آخر الامر، وكذا ما قيل: المعنى أن إلى حساب ربك منتهاهم، وكذا ما قيل: إليه سبحانه ينتهي الأفكار وتقف دونه، ففي جميع هذه التفاسير تقييد الآية من غير مقيد.
قوله تعالى: " وأنه هو أضحك وأبكى " الآية وما يتلوها إلى تمام اثنتي عشرة آية بيان لموارد من انتهاء الخلق والتدبير إلى الله سبحانه.
والسياق في جميع هذه الآيات سياق الحصر، وتفيد انحصار الربوبية فيه تعالى وانتفاء الشريك، ولا ينافي ما في هذه الموارد من الحصر توسط أسباب أخر طبيعية أو غير طبيعية فيها كتوسط السرور والحزن وأعضاء الضحك والبكاء من الانسان في تحقق الضحك والبكاء، وكذا توسط الأسباب المناسبة الطبيعية وغير الطبيعية في الاحياء والإماتة وخلق الزوجين والغنى والقنى وإهلاك الأمم الهالكة وذلك أنها لما كانت مسخرة لأمر الله غير مستقلة في نفسها ولا منقطعة عما فوقها كانت وجوداتها وآثار وجوداتها وما يترتب عليها لله وحده لا يشاركه في ذلك أحد.
فمعنى قوله: " وأنه هو أضحك وأبكى " أنه تعالى هو أوجد الضحك في الضاحك وأوجد البكاء في الباكي لا غيره تعالى:
ولا منافاة بين انتهاء الضحك والبكاء في وجودهما إلى الله سبحانه وبين انتسابهما إلى الانسان وتلبسه بهما لان نسبة الفعل إلى الانسان بقيامه به ونسبة الفعل إليه تعالى بالايجاد وكم بينهما من فرق.
ولا أن تعلق الإرادة الإلهية بضحك الانسان مثلا يوجب بطلان إرادة الانسان للضحك وسقوطها عن التأثير لان الإرادة الإلهية لم تتعلق بمطلق الضحك كيفما كان وإنما تعلقت بالضحك الإرادي الاختياري من حيث إنه صادر عن إرادة الانسان واختياره فإرادة الانسان سبب لضحكه في طول إرادة الله سبحانه لا في عرضها حتى تتزاحما ولا تجتمعا معا فنضطر إلى القول بأن أفعال الانسان الاختيارية مخلوقة لله ولا صنع للانسان فيها كما يقوله الجبري أو أنها مخلوقة للانسان ولا صنع لله سبحانه فيها كما يقوله المعتزلي.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست