تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٠١
(بيان) تشير السورة إلى قصة إجلاء بني النضير من اليهود لما نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين، وإلى وعد المنافقين لهم بالنصر والملازمة ثم غدرهم وما يلحق بذلك من حكم فيئهم.
ومن غرر الآيات فيها الآيات السبع في آخرها يأمر الله سبحانه عباده فيها بالاستعداد للقائه من طريق المراقبة والمحاسبة، ويذكر عظمة قوله وجلالة قدره بوصف عظمة قائله عز من قائل بما له من الأسماء الحسنى والصفات العليا. والسورة مدنية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: " سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم " افتتاح مطابق لما في مختتم السورة من قوله: " يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ".
وإنما افتتح بالتنزيه لما وقع في السورة من الإشارة إلى خيانة اليهود ونقضهم العهد ثم وعد المنافقين لهم بالنصر غدرا كمثل الذين كانوا من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم، وبالنظر إلى ما أذاقهم الله من وبال كيدهم، وكون ذلك على ما يقتضيه الحكمة والمصلحة ذيل الآية بقوله: " وهو العزيز الحكيم ".
قوله تعالى: " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر " تأييد لما ذكر في الآية السابقة من تنزهه تعالى وعزته وحكمته، والمراد بإخراج الذين كفروا من أهل الكتاب إجلاء بني النضير حي من أحياء اليهود كانوا يسكنون خارج المدينة وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم عهد أن لا يكونوا له ولا عليه ثم نقضوا العهد فأجلاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وستأتي قصتهم في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
والحشر إخراج الجماعة بإزعاج، و " لأول الحشر " من إضافة الصفة إلى الموصوف، واللام بمعنى في كقوله: " أقم الصلاة لدلوك الشمس " أسرى: 78.
والمعنى: الله الذي أخرج بني النضير من اليهود من ديارهم في أول إخراجهم من جزيرة العرب.
ثم أشار تعالى إلى أهمية إخراجهم بقوله: " ما ظننتم أن يخرجوا " لما كنتم تشاهدون فيهم من القوة والشدة والمنعة " وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله " فلن يغلبهم الله وهم متحصنون فيها وعد حصونهم بحسب ظنهم مانعة من الله لا من المسلمين لما أن إخراجهم
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست