تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٩٦
بقيد المحدودة بحد ومن الشاهد عليه غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أدت إليه من الفتح والظفر في عين أنها كانت سجالا لكن لم تنته إلا إلى تقدم المسلمين وغلبتهم.
ولم تقف الفتوحات الاسلامية ولا تفرقت جموع المسلمين أيادي سبأ إلا بفساد نياتهم وتبديل سيرة التقوى والاخلاص لله وبسط الدين الحق من بسط السلطة وتوسعة المملكة " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (1) وقد اشترط الله عليهم حين أكمل دينهم وأمنهم من عدوهم أن يخشوه إذ قال: " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشوني ".
ويكفي في تسجيل هذه الغلبة قوله تعالى فيما يخاطب المؤمنين: " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " آل عمران: 139.
قوله تعالى: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " الخ، نفي وجدان قوم على هذه الصفة كناية عن أن الايمان الصادق بالله واليوم الآخر لا يجامع موادة أهل المحادة والمعاندة من الكفار ولو قارن أي سبب من أسباب المودة كالأبوة والبنوة والاخوة وسائر أقسام القرابة فبين الايمان وموادة أهل المحادة تضاد لا يجتمعان لذلك.
وقد بان أن قوله: " ولو كانوا آباءهم " الخ، إشارة إلى أسباب المودة مطلقا وقد خصت مودة النسب بالذكر لكونه أقوى أسباب المودة من حيث ثباته وعدم تغيره.
وقوله: " أولئك كتب في قلوبهم الايمان " الإشارة إلى القوم بما ذكر لهم من الصفة، والكتابة الاثبات بحيث لا يتغير ولا يزول والضمير لله وفيه نص على أنهم مؤمنون حقا.
وقوله: " وأيدهم بروح منه " التأييد التقوية، وضمير الفاعل في " أيدهم " لله تعالى وكذا ضمير " منه " و " من " ابتدائية، والمعنى: وقواهم الله بروح من عنده تعالى، وقيل: الضمير للايمان، والمعنى: وقواهم الله بروح من جنس الايمان يحيي بها قلوبهم، ولا بأس به.
وقيل: المراد بالروح جبرائيل، وقيل: القرآن، وقيل: المراد بها الحجة والبرهان، وهذه وجوه ضعيفة لا شاهد لها من جهة اللفظ.

(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست