تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٩٧
ثم الروح - على ما يتبادر من معناها - هي مبدأ الحياة التي تترشح منها القدرة والشعور فإبقاء قوله: " وأيدهم بروح منه " على ظاهره يفيد أن للمؤمنين وراء الروح البشرية التي يشترك فيها المؤمن والكافر روحا أخرى تفيض عليهم حياة أخرى وتصاحبها قدرة وشعور جديدان، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " الانعام: 122، وقوله:
" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة " النحل: 97.
وما في الآية من طيب الحياة يلازم طيب أثرها وهو القدرة والشعور المتفرع عليهما الأعمال الصالحة، وهما المعبر عنهما في آية الانعام المذكورة آنفا بالنور ونظيرها قوله:
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به " الحديد: 28.
وهذه حياة خاصة كريمة لها آثار خاصة ملازمة لسعادة الانسان الأبدية وراء الحياة المشتركة بين المؤمن والكافر التي لها آثار مشتركة فلها مبدأ خاص وهو روح الايمان التي تذكرها الآية وراء الروح المشتركة بين المؤمن والكافر.
وعلى هذا فلا موجب لما ذكروا أن المراد بالروح نور القلب وهو نور العلم الذي يحصل به الطمأنينة وأن تسميته روحا مجاز مرسل لأنه سبب للحياة الطيبة الأبدية أو من الاستعارة لأنه في ملازمته وجوه العلم الفائض على القلب - والعلم حياة القلب كما أن الجهل موته - يشبه الروح المفيض للحياة. انتهى.
وقوله: " ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " وعد جميل ووصف لحياتهم الآخرة الطيبة.
وقوله: " رضي الله عنهم ورضوا عنه " استئناف يعلل قوله: " ويدخلهم جنات " الخ، ورضا الله سبحانه عنهم رحمته لهم لاخلاصهم الايمان له ورضاهم عنه وابتهاجهم بما رزقهم من الحياة الطيبة والجنة.
وقوله: " أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون " تشريف لهؤلاء المخلصين في إيمانهم بأنهم حزبه تعالى كما أن أولئك المنافقين الموالين لأعداء الله حزب الشيطان وهؤلاء مفلحون كما أن أولئك خاسرون.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست