منتهى المطلب (ط.ق) - العلامة الحلي - ج ١ - الصفحة ٣
في حصول هذا المخلوق الشريف خصوصا مع انقطاعه وينوبه (ويشوبه) بالآلام المتضاعفة فلا بد وأن يكون الغرض شيئا آخر مما يتعلق بالمنافع الأخروية ولما كان ذلك النفع من أعظم المطالب وأنفس المقاصد لم يكن مبذولا لكل أحد بل إنما يحصل بالاستحقاق وذلك لا يكون إلا بالعمل في هذه الدار المسبوق بتحصيل كيفية العمل المشتمل عليه هذا العلم فكان ذلك من أعظم المنافع في هذا العلم والحاجة إليه ما يسر جدا لتحصيل هذا النفع والمخلص من العقاب الدائم. المقدمة الثانية: في مرتبة هذا العلم إعلم أن المعلوم (العلوم) قد يتقدم بعضها على بعض إما لتقدم موضوعاتها أو لتقدم غاياتها ولاشتمالها على مبادئ العلوم المتأخرة أو لأمور أخر ليس هذا موضع ذكرها والحق عندي أن مرتبة هذا العلم متأخرة عن غيره لا باعتبار الثالث وذلك لافتقاره إلى سائر العلوم واستغنائها عنه أما تأخره عن علم الكلام فلان هذا العلم مباحث (باحث) عن كيفية التكليف وهو لا شك مسبوق بالبحث عن معرفة التكليف والمكلف وأما تأخره عن علم أصول الفقه فظاهر لان هذا العلم ليس ضروريا بل لا بد فيه من الاستدلال وأصول الفقه متكفل ببيان كيفية ذلك الاستدلال فبهذا الاعتبار كان متأخرا عن علم المنطق المتكفل ببيان فساد الطريق وصحتها وأما اللغة والنحو والتصريف فلان مبادئ هذا العلم إنما هو القرآن والسنة وغيرهما ولا يشك في أن القرآن والسنة عربيان فوجب تقديم البحث عن اللغة والنحو والتصريف على البحث عن هذا العلم فهذه العلوم التي يحتاج هذا العلم إلى تقدم معرفتها. المقدمة الثالثة: في موضوع هذا العلم ومبادئه ومسائله، إعلم أن كل علم على الاطلاق لا بد أن يكون باحثا عن أمور لاحقة لغيرها وتسمى تلك الأمور مسائل ذلك العلم وذلك الغير موضوعه ولا بد له من مقدمات يتوقف الاستدلال عليها ومن تصورات للموضوع وأجزائه وجزئياته إن كانت ويسمى ذلك أجمع بالمبادئ ولما كان الفقه باحثا عن الوجوب والندب والإباحة والكراهة والتحريم والصحة والبطلان لا من حيث هي بل من حيث هي عوارض لأفعال المكلفين لا جرم كان موضوع هذا العلم هو أفعال المكلفين من حيث الاقصاء والتحير ومباديه هي المقدمات التي يتوقف عليها بذلك العلم كالقرآن والاخبار والاجماع والتصورات التي يتوقف عليها ذلك العلم ومسائله هي المطالب الجزئية التي يشتمل عليها علم الفقه. المقدمة الرابعة: في تحديد هذا العلم لا يمكن تحديد علم من العلوم إلا بالإضافة إلى متعلقه لدخول الإضافة فيه وكونها جزء منه الفقه في اللغة هو الفهم وأما في الاصطلاح فهو عبارة عن العلم بالأحكام الشرعية الفرعية مستندا إلى الأدلة التفصيلية وقد بينا في أصول الفقه في شرح هذا الحد على الاستقصاء. المقدمة الخامسة: في أن تحصيل هذا العلم واجب يدل عليه المعقول والمنقول أما المعقول فهو أن معرفة التكليف واجب وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ولا يتم إلا بتحصيل هذا العلم قطعا وما لا يتم إلا به يكون واجبا فيكون تحصيل هذا العلم واجبا.
وأما المنقول فقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). المقدمة السادسة:
في أن تحصيل هذا العلم واجب على الكفاية ويدل عليه ما تقدم من القرآن فإنه دل على وجوب التفقه على الطائفة من كل فرقة ولو كان واجبا على الأعيان لكان واجبا على كل فرقة ولان الأصل عدم الوجوب والدليل إنما يتضمن بالوجوب على الكفاية ولان الوجوب على الأعيان ضرر عظيم و هو منفي اتفاقا. المقدمة السابعة: إعلم أن الناس على أقسام ثلاثة بالنسبة إلى العلم، أحدها الذي هو الأصل والمستيقظ له والمطهر لكنوزه والدال على فوائده وكأنه الخالف لذلك العلم والمبتدع له وهذا القسم أشرف الأقسام وأعلاها. وثانيها: من كان من مرتبة دون هذه المرتبة وحظه من العلم أنقص من حظ الأول وكان سعيه وكده فيهم ما يرد عليه من العلوم المنقولة عن الأول ويحصل ما داره الأول ولهذا القسم أيضا شرف قاصر عن شرف الأول. وثالثها: من قصر عن هاتين المرتبتين ولم يقربا حد هذين العامين (العالمين) وهم الغالب في زماننا وهم في الحقيقة يقتسمون قسمين، الأول:
من تعاطى درجة العلم وهم المتجاهلون وغاية سعيهم الرد على أهل الحيف والتخطئة لهم وجبر نقصهم بذلك وهم الحشوية (و) من لم يسم نفسه إلى ذلك وهم الجاهلون وهم أشرف من أولى هذه المرتبة ولذلك أشار مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بقوله: " الناس ثلاثة عالم رباني و متعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العالم (العالم) ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ". المقدمة الثامنة:
إنه قد يأتي في كتابنا هذا إطلاق لفظ الشيخ ونعني به الامام أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه والمفيد نريد منه الشيخ محمد بن محمد النعمان وبالشيخين هما وقد يأتي في بعض الاخبار أنه في الصحيح ونعني به ما كان رواية ثقات عدولا وفي بعضها في الحسن ونريد منه ما كان بعض رواته قد أثنى عليه الأصحاب وإن لم يصرحوا بلفظ التوثيق وفي بعضها في الموثق ونعني به ما كان بعض رواته من غير الامامية كالفطحية والواقفية وغيرهم إلا أن الأصحاب شهدوا بالتوقيف له. المقدمة التاسعة: لما رأينا أن الغالب على الناس في هذا الزمان الجهل وطاعة الشهوة والغضب والرفض لادراك المعاني القدسية وترك الوصول إلى أنفس المعارج العلوية واقتناهم برذائل الأخلاق واتصافهم بالاعتقادات الباطلة على الاطلاق والتشيع على من سمت عنه عن درجتهم وطلب نفسه الصعود عن منزلتهم حتى أتى في مدة عمرنا هذا وهو اثنان وثلاثون سنة لم يشاهد من طلاب الحق إلا من قل ومن العاضدين للصواب إلا من جل أحببنا إظهار شئ من فوائد هذا العلم عسى يحصل لبعض الناس مرتبة الاقتداء ويرغب في الاقتفاء ذلك من أشرف فوائد وضع هذا الكتاب لما فيه من السنة المقتدى بها الفائز صاحبها بالسهم المعلى من السعادة والتخلص من مراتب الشقاوة فشرعنا في عمل هذا الكتاب المحتوي على المسائل اللطيفة والمباحث الدقيقة الشريفة وإن كان أصحابنا المتقدمون وعلماؤنا السابقون رضوان الله عليهم قد أوضحوا سبيل كل خير و
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 في الخطبة 2
2 في بيان المقدمات 2
3 في المياه وما يتعلق بها 4
4 في الوضوء وموجباته واحكامه 31
5 في أفعال الوضوء وكيفيته 54
6 في احكام الوضوء وتوابعه و لواحقه 74
7 في موجبات الغسل وأنواعه 78
8 في كيفية الغسل و احكامه 83
9 في احكام الحيض وكيفياته 95
10 في بيان احكام المستحاضة 119
11 في بيان احكام النفاس 122
12 في بيان غسل مس الأموات 127
13 في الأغسال المندوبة 128
14 في احكام النجاسات 159
15 في احكام الأواني 185
16 في الجلود 191
17 كتاب الصلاة 193
18 في اعداد الصلاة 194
19 في المواقيت 198
20 في احكام المواقيت 209
21 في القبلة 217
22 في لباس المصلي 225
23 في ستر العورة 235
24 في مكان المصلي 241
25 في ما يجوز السجود عليه 250
26 في الأذان والإقامة 253
27 في القيام 264
28 في النية 266
29 في التكبير 267
30 في القراءة 270
31 في الركوع 281
32 في السجود 286
33 في التشهد 292
34 في التسليم 295
35 في القنوت 298
36 في التعقيبات 301
37 في قواطع الصلاة 306
38 في صلاة الجمعة 316
39 في صلاة العيدين 339
40 في صلاة الكسوف 349
41 في صلاة الاستسقاء 354
42 في نافلة رمضان 357
43 في الصلوات المندوبة 359
44 في صلاة الجماعة 363
45 فيما يتعلق بالمساجد 386
46 في صلاة المسافر 389
47 في صلاة الخوف والتطريق 401
48 في عدم سقوط الصلاة على كل حال 406
49 في الخلل 408
50 في القضاء 420
51 في احكام الجنائز 425
52 في تغسيل الميت 427
53 في التكفين 437
54 في صلاة الجنائز 443
55 في الدفن 459
56 فيما ورد بعد الدفن 465
57 في فضل الزكاة ومن تجب عليه 470
58 فيمن تجب الزكاة عليه 471
59 فيما يجب فيه الزكاة 473
60 فيما يستحب فيه الزكاة 506
61 في وقت الوجوب 510
62 في المتولي للاخراج 514
63 في مستحق الزكاة 517
64 في احكام الزكاة 526
65 في زكاة الفطرة 531
66 في الصدقات المستحبة المستحبة 542
67 فيما يجب فيه الخمس 544
68 في النصاب 549
69 في بيان سهام الخمس 550
70 في الأنفال 553