أن يتنبأ بموعد وبشكل اندلاع الثورة، إلا بعد أن أصبحت الثورة على قاب قوسين أو أدنى. وليس ذلك إلا لأن دلائل المجتمع وأحداثه، لم تكن لتنطبق على الدلائل والأحداث، التي تحدد النظرية على أساسها، سمات المجتمع، المشرف على العمل الثوري الاشتراكي. فقد خطب لينين في اجتماع للشباب الاشتراكي السويسري، قبل شهر واحد من ثورة شباط وقبل عشرة أشهر من ثورة أكتوبر الشيوعية، فقال في خطابه:
((لعلنا نحن أبناء الجيل الذي يكبركم، لن نعيش لنرى المعارك الحاسمة للثورة الاشتراكية، الموشكة على الإندلاع، ولكن يبدو لي، أنني أستطيع أن أعرب بأقصى ثقة، عن الأمل بأن يتاح للشباب العاملين في الحركة الاشتراكية الرائعة في سويسرا، وبقية أنحاء العالم، الحظ الطيب، ليس فحسب بالمساهمة في القتال أثناء الثورة البروليتارية الوشيكة، بل كذلك في الخروج ظافرين منها)).
قال لينين هذا، وبعد عشرة أشهر فقط، تزعم الثورة الاشتراكية التي انفجرت في روسيا، وجاءت به إلى الحكم. وأما الشبان العاملون في الحركة الاشتراكية الرائعة في سويسرا، على حد تعبيره، فلا يزالون حتى اليوم، لم يتح لهم الحظ الطيب الذي تمناه لهم بالمساهمة في الثورة البروليتارية، والخروج منها ظافرين.
ثالثا - هل استطاعت الماركسية استيعاب التاريخ؟
المادية التاريخية (الماركسية) - كما سبق - مجموعة من الافتراضات العلمية يختص كل واحد منها بمرحلة محدودة من مراحل التاريخ، وتتكون من مجموعها الفرضية العامة في تفسير التاريخ، القائلة: بأن المجتمع دائما وليد الوضع الاقتصادي الذي تحدده وتفرضه قوى الإنتاج.
والواقع أن أروع ما في الماركسية، وأكثر قواها التحليلية إغراء وإستهواء إنما هو قوة هذا الشمول والاستيعاب، الذي تتميز به على أكثر التفاسير الأخرى، للعمليات الاجتماعية أو الاقتصادية، وتعبر من خلاله عن ترابط وثيق محدد، بين مختلف تلك