مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ١٠٥
والتنقل المعنوي المخرج له من الوجود العلمي إلى الوجود العيني تقلبات في صور الموجودات طورا بعد طور، وانتقالات من صورة إلى صورة، وهذه التنقلات والتقلبات هي عروج للانسان وسلوك من حضرة الغيب الإلهي والامكان والمقام العلمي الإلهي في تحصيل الكمال الذي أهل له واقتضته مرتبة عينه الثابتة باستعداده الكلى، والموجودات كلها في الحضرة العلمية الوجودية العينية غير متعينة لانفسها، بل عند الحق لا مطلقا أيضا، لكن في المرتبة العلمية فقط، فأول ظهور تعين كل شئ هو من حال تعلق الإرادة الإلهية بنسبة التوجه الامرى إليه للايجاد الذي هو عبارة عن ظهور ذلك التعين العلمي بالقدرة صورة ظاهرة لنفسها، وهو انصباع الامر الإلهي الوجودي بالتعين العلمي الإرادي من حيث المراد وبحسبه صبغا نوريا ثابتا بالتعلق حاصلا بالاقتران، وقد سبق التنبيه عليه.
ثم نقول: فيظهر الشئ المراد وجوده في الرتبة القلمية ثم اللوحية ثم لا يزال يتنزل مارا بكل حضرة ومكتسبا وصفها ومنصبغا بحكمها مع ما هو عليه من الصفات الذاتية الغيبية العينية والحاصلة له بالوجود الأول، هكذا منحدرا يرتقى حتى تتعين صورة مادته في الرحم على النحو المذكور، ثم ينتشئ ويتميز بالكلية، ولا يزال كذلك دائم التنقل في الأحوال إلى أن يتكامل نشأته ويتم استوائه، ثم يعود عروجه بالانسلاخ للتركيب المعنوي الثاني الذي يكون للعارفين في سيرهم قبل الفتح، وهو معراج أكابر أهل الله، ليس لكل أهل الفتح وسمى معراج التحليل، من أجل انه يسير نحو العالم العلوي، فلا يمر من حين مفارقته الأرض باسطقس ولا حضرة ولا فلك الا ويترك عنده الجزء المناسب له، الذي اخذه حال مجيئه الأول بحكم قوله تعالى: ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها (58 - النساء) وهذا الترك عبارة عن اعراض روحه عن ذلك الجزء والتعشق بتدبيره وضعف حكم المناسبة التي كانت بينه وبين ذلك الشئ بغلبة حكم الارتباط الذاتي الذي بينه وبين الحق من حيث ما يعرج إليه ويقبل، إذ ذاك بوجه قلبه عليه.
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»
الفهرست