مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٧١
وطرابلس أصابهم ما يشبه ما أصاب سكان صور، ولكننا لا نعلم ما حل بالقرى والأرياف، وإذا بابن جبير وحده دون سائر المؤرخين يترك معلومات عنها لا تقدر.
لقد كان يجهل حقيقة الحال فيما سيمر به من بلدان، أهي عامرة أم خراب؟ أبقي سكانها فيها أم نزحوا عنها؟
لذلك نرى طبيعة المفاجأة في هذا الكلام:... ضياع متصلة وعمائر منتظمة... ثم المفاجأة تلو المفاجأة:... سكانها كلهم مسلمون.
ولقد أذهل تتابع المفاجآت ابن جبير عن أن يتعرف أسماء الضياع، فلم يحاول أن يسأل عنها، فاكتفى بذلك الاجمال وهو في عقيدته أوسع التفصيل! أليس يكفي بان يخبر بان الأرياف بالرغم من الاحتلال الصليبي هي ضياع متصلة وعمائر منتظمة. ثم أليس هذا خبرا يكفي لكل تساؤل واستطلاع: سكانها كلهم مسلمون.
والحقيقة أن الأمر كما قدر ابن جبير، ولكن ليته جمع المهم إلى الأهم، ففصل لنا أسماء ما رآه من قرى ووصفها بعض الوصف.
وتتابع المفاجآت على ابن جبير، فبعد أن علم ما علم واطمأن إلى ما اطمأن إليه، وعرف ما كان يود أن يعرفه من حال تلك الضياع والعمائر، وحال أهلها المسلمين، قال أن أولئك السكان المسلمين يؤدون للفرنج نصف الغلة وجزية عن كل رأس دينارا وخمسة قراريط ولهم على ثمر الشجر ضريبة خفيفة.
هذا النص مضافا إلى النص السابق هو من أعظم ما كتب المؤرخون في تعريف حال المواطنين القرويين خلال الاحتلال الصليبي، فإنني لا أحسب أن مؤرخا عربيا عني بتتبع حياة الأرياف خلال تلك الحقبة المؤلمة. ولولا ابن جبير لجهلنا حالة كانت معرفتها ضرورية.
ويتلخص الموقف استنتاجا من نصوص الرحلة بما يلي: الزحوف الفرنجية بخيلها ورجلها نزلت المدن فأعملت السيف والنهب في بعضها، كما جرى في طرابلس وبيروت، واكتفت من مدن أخرى بجلاء أهلها وفرض الأموال الباهظة عليهم كما في صيدا وصور. وهذا التمييز تبعا للحالة التي دخل بها الصليبيون إلى تلك المدن، فالمدن التي رفضت الاستسلام وظلت تقاوم حتى دخلوها منتصرين عاملوها بالقتل والنهب، والمدن التي فاوضت على التسليم بشروط، طبقوا فيها تلك الشروط.
وأعقب جلاء العرب وقتلهم حلول الصليبيين محلهم، فعادت المدن فرنجية بسكانها ما عدا قلة قليلة ظلت في بعض المدن، وكانت هذه القلة أعجز من أن تؤثر في مصائر المدن ومجرى حياتها.
والفرنج النازلون في هذه المدن كان منهم حكامها كما كان منهم الجنود المحاربون، ثم كان من الطبيعي أن تنشأ طبقة تجارية تؤمن احتياجات المدن و تتسلم زمام الاقتصاد وتوجهه وتسيطر عليه.
ولكن إذا استطاع الفرنج أن يكونوا الحكام والجنود والتجار والصناع، فهل يستطيعون أن يكونوا الفلاحين؟ هذا ما لم يكن مستطاعا لهم لأن إعمار القرى وتسيير الزراعة فيها وتامين الأقوات منها ذلك محتاج إلى عشرات الألوف من البشر المعتادين على طبيعة الأرض العارفين بدخائل استنباتها. ولم يكن في مقدور الفرنج تامين هذا العدد من الناس القادمين معهم، لأن القادمين كانوا في الأصل جنودا للقتال، ويمكن أن يكون منهم التجار والصناع، ولكن لا يمكن أن يكون منهم الفلاحون لا كما ولا كيفا. وإذا حل القادمون محل النازحين في القرى وعادوا زراعا يلازمون الأرض، فمن يقاتل، والبلاد الاسلامية محيطة بالفرنج من كل ناحية؟ وإذا لم تزرع الأرض ولم يقم أحد عليها فكيف يستطيع الفرنج ضمان الأقوات؟
هذا الوضع الذي لا بد منه حفظ للقرويين وجودهم أولا، ثم عقائدهم وحرياتهم. وأن اضطرار الفرنج لعدم إغضاب الفلاحين، وحرصهم على أن يتمسك الفلاحون بأرضهم كانا العامل الوحيد لأن يرى ابن جبير الضياع المتصلة والعمائر المنتظمة وأن يكون جميع سكانها مسلمين.
ونستطيع القول بان مشاطرة القرويين غلاتهم، وأخذ ضريبة أخرى على الرؤوس وعلى الثمر لم يكونا شيئا عادا. ومهما كان فهما عند القرويين أفضل من التشرد والنزوح عن الأوطان.
وإذا كنا عرفنا هذا المقدار عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فقد كان لا بد لنا من أن نعرف شيئا عن الحياة العلمية في تلك الأرياف.
عناني في هذا البحث هو المنطقة التي عرفت اسم جبل عامل، والتي جنوا على اسمها التاريخي الجميل في هذا العصر فاستبدلوا به اسم الجنوب.
ذلك لأني أعلم بأنه كان لهذه المنطقة ماض زاهر بالعلم والأدب قبل الصليبيين، ثم كان لها الماضي نفسه بعد الصليبيين، فحسبها مثلا أن تكون قد أخرجت قبلهم شاعرا مثل عبد المحسن الصوري، وأن تكون قد أخرجت بعدهم عالما مثل الشهيد محمد بن مكي. فهل يمكن أن تكون قد أجدبت بعد أن احتلوها؟
لقد كان البحث شاقا في الوصول إلى الحقيقة، ولكن كان لا بد من الوصول إليها وهكذا كان: فقد تبين بعد طول التنقيب أنه كان هم هؤلاء العرب الحفاظ على تتابع الدرس والتدريس، وإيصال العلوم الاسلامية والآداب العربية من جيل إلى جيل لئلا تضيع الشخصية الاسلامية وتزول الروح العربية، وهو ما وفقوا فيه كل التوفيق.
لقد كانت المقاومة العسكرية عبثا، ميؤوسا من النصر فيها، إذن فلا بد من المقاومة الفكرية، وهذا ما اختطه أولئك الناس.
فمن أقدم من وصلتنا أخباره من علماء العامليين الشيخ جمال الدين إبراهيم بن الحسام أبي الغيث العاملي الذي كان حيا سنة 669 ه‍ وهو الذي رثى أبا القاسم بن الحسين العود الأسدي المتوفي سنة 679، وأبو القاسم هذا عراقي حلي الأصل جاء إلى حلب في عهد النقيب عز الدين مرتضى فأسئ إليه إساءات همجية مبعثها التعصب الذميم مما اضطره للنزوح إلى بلدة جزين اللبنانية حيث مات سنة 679 هجرية ورثاه ابن الحسام بقصيدة مطلعها:
عرج بجزين يا مستبعد النجف ففضل من حلها يا صاح غير خفي ولكي نعلم ما كان عليه أمر جزين في ذلك الحين نضطر لنقل ما ذكره الذهبي في مختصر تاريخ الاسلام بعبارته النابية التي اعتادها هو وأمثاله من ذوي الأفكار السوداء، قال وهو يصف حادث حلب الفظيع واضطرار ابن العود للذهاب إلى جزين:... وتسحب ابن العود من حلب ثم أنه أقام بقرية جزين مأوى الرافضة فاقبلوا عليه.
ويمكن تحديد زمن انتقال ابن العود من حلب إلى جزين بما ذكره أبو ذر في
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370