تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٨٤
والشجاعة والشفقة على الضعفاء، والإشارة بأولئكم إلى الأقوام المذكورة أنباؤهم: قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون، والاستفهام للانكار.
والمعنى: ليس الذين كفروا منكم خيرا من أولئكم الأمم المهلكين المعذبين حتى يشملهم العذاب دونكم.
ويمكن أن يكون خطاب " أكفاركم " لخصوص الكفار بعناية أنهم قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم كفار وهم هم.
وقوله: " أم لكم براءة في الزبر " ظاهره أيضا عموم الخطاب، والزبر جمع زبور وهو الكتاب، وقد ذكروا أن المراد بالزبر الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء والمعنى: بل ألكم براءة في الكتب السماوية التي نزلت من عند الله أنكم في أمن من العذاب والمؤاخذة وإن كفرتم وأجرمتم واقترفتم ما شئتم من الذنوب.
قوله تعالى: " أم يقولون نحن جميع منتصر " الجميع المجموع والمراد به وحدة مجتمعهم من حيث الإرادة والعمل، والانتصار الانتقام أو التناصر كما في خطابات يوم القيامة:
" ما لكم لا تناصرون " الصافات: 25، والمعنى: بل أيقولون أي الكفار نحن قوم مجتمعون متحدون ننتقم ممن أرادنا بسوء أو ينصر بعضنا بعضا فلا ننهزم.
قوله تعالى: " سيهزم الجمع ويولون الدبر " اللام في " الجمع " للعهد الذكري وفي " الدبر " للجنس، وتولى الدبر الادبار، والمعنى: سيهزم الجمع الذي يتبجحون به ويولون الادبار ويفرون.
وفي الآية إخبار عن مغلوبية وانهزام لجمعهم، ودلالة على أن هذه المغلوبية انهزام منهم في حرب سيقدمون عليها، وقد وقع ذلك في غزاة بدر، وهذا من ملاحم القرآن الكريم.
قوله تعالى: " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " " أدهى " اسم تفضيل من الدهاء وهو عظم البلية المنكرة التي ليس إلى التخلص منها سبيل، و " أمر " اسم تفضيل من المرارة ضد الحلاوة، وفي الآية إضراب عن إيعادهم بالانهزام والعذاب الدنيوي إلى إيعادهم بما سيجري عليهم في الساعة وقد أشير إلى نبأها في أول الانباء الزاجرة، والكلام يفيد الترقي.
والمعنى: وليس الانهزام والعذاب الدنيوي تمام عقوبتهم بل الساعة التي أشرنا إلى نبأها هي موعدهم والساعة أدهى من كل داهية وأمر من كل مر.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست