تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٧٩
ويلحق بهذا البحث الكلامي في نحوسة سائر الأمور المعدودة عند العامة مشؤمة نحسة كالعطاس مرة واحدة عند العزم على أمر وغير ذلك وقد وردت في النهي عن التطير بها والتوكل عند ذلك روايات في أبواب متفرقة، وفي النبوي المروي من طرق الفريقين:
لا عدوى (1)، ولا طيرة، ولا هامة، ولا شؤم، ولا صفر، ولا رضاع بعد فصال، ولا تعرب بعد هجرة، ولا صمت يوما إلى الليل، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يتم بعد إدراك.
قوله تعالى: " كذبت ثمود بالنذر " النذر إما مصدر كما قيل والمعنى: كذبت ثمود بإنذار نبيهم صالح عليه السلام، وإما جمع نذير بمعنى المنذر، والمعنى: كذبت ثمود بالأنبياء لان تكذيبهم بالواحد منهم تكذيب منهم بالجميع لان رسالتهم واحدة لا اختلاف فيها فيكون في معنى قوله: " كذبت ثمود المرسلين " الشعراء: 141، وإما جمع نذير بمعنى الانذار ومرجعه إلى أحد المعنيين السابقين.
قوله تعالى: " فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر " تفريع على التكذيب والسعر جمع سعير بمعنى النار المشتعلة، واحتمل أن يكون بمعنى الجنون وهو أنسب للسياق، والظاهر أن المراد بالواحد الواحد العددي، والمعنى: كذبوا به فقالوا:
أبشرا من نوعنا وهو شخص واحد لا عدة له ولا جموع معه نتبعه إنا إذا مستقرون في ضلال عجيب وجنون.
فيكون هذا القول توجيها منهم لعدم اتباعهم لصالح لفقده العدة والقوة وهم قد اعتادوا على اتباع من عنده ذلك كالملوك والعظماء وقد كان صالح عليه السلام يدعوهم إلى طاعة نفسه ورفض طاعة عظمائهم كما يحكيه الله سبحانه عنه بقوله: " فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين " الشعراء: 151.

(1) العدوى مصدر كالأعداء بمعنى تجاوز مرض المريض منه إلى غيره كما يقال في الجرب والوباء والجدري وغيرها، والمراد بنفي العدوي كما يفيده مورد الرواية أن يكون العدوي مقتضى المرض من غير انتساب إلى مشية الله تعالى، والهامة ما كان أهل الجاهلية يزعمون أن روح القتيل تصير طائرا يأوى إلى قبره ويصبح ويشتكي العطش حتى يؤخذ بثأره، والصفر هو التصفير عند سقاية الحيوان وغيره.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست