تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٥٦
أيديهم وبأيمانهم فيبصرون الطريق ويهتدون إلى مقاماتهم، وأما المنافقون والمنافقات فهم مغشيون بالظلمة لا يهتدون سبيلا وهم مع المؤمنين كما كانوا في الدنيا معهم ومعدودين منهم فيسبق المؤمنون والمؤمنات إلى الجنة ويتأخر عنهم المنافقون والمنافقات في ظلمة تغشاهم فيسألون المؤمنين والمؤمنات أن ينتظروهم حتى يلحقوا بهم ويأخذوا قبسا من نورهم ليستضيئوا به في طريقهم.
وقوله: " قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا " القائل به إما الملائكة أو قوم من كمل المؤمنين كأصحاب الأعراف.
وكيف كان فهو من الله وبإذنه، والخطاب بقوله: " ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا " قيل: إنه خطاب مبني على التهكم والاستهزاء كما كانوا يستهزؤون في الدنيا بالمؤمنين، والأظهر على هذا أن يكون المراد بالوراء الدنيا، ومحصل المعنى: ارجعوا إلى الدنيا التي تركتموها وراء ظهوركم وعملتم فيها ما عملتم على النفاق، والتمسوا من تلك الأعمال نورا فإنما النور نور الأعمال أو الايمان ولا إيمان لكم ولا عمل.
ويمكن أن يجعل هذا وجها على حياله من غير معنى الاستهزاء بأن يكون قوله:
" ارجعوا " أمرا بالرجوع إلى الدنيا واكتساب النور بالايمان والعمل الصالح وليسوا براجعين ولا يستطيعون فيكون الامر بالرجوع كالأمر بالسجود المذكور في قوله تعالى:
" يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " القلم: 43.
وقيل: المراد ارجعوا إلى المكان الذي قسم فيه النور والتمسوا من هناك فيرجعون فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور، وهذا خدعة منه تعالى يخدعهم بها كما كانوا في الدنيا يخادعونه كما قال: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم " النساء: 142.
قوله تعالى: " فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب " سور المدينة حائطها الحاجز بينها وبين الخارج منها، والضمير في " فضرب بينهم بسور " راجع إلى المؤمنين والمنافقين جميعا أي ضرب بين المؤمنين وبين المنافقين بسور حاجز يحجز إحدى الطائفتين عن الأخرى.
قيل: السور هو الأعراف وهو غير بعيد وقد تقدمت إشارة إليه في تفسير قوله
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست