تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٥٣
ويتصرف فيها ذووا الشعور كالانسان مثلا بتخصيص ما يتصرفون فيه لأنفسهم وهو الملك الاعتباري الذي هداهم الله سبحانه إلى اعتباره فيما بينهم لينتظم بذلك جهات حياتهم الدنيا.
غير أنهم لا يبقون ولا يبقى لهم بل يذهبهم الموت المقدر بينهم فينتقل ما في أيديهم إلى من بعدهم وهكذا حتى يفنى الجميع ولا يبقى إلا هو سبحانه.
فالأرض مثلا وما فيها وعليها من مال ميراث من جهة أن كل جيل من سكانها يرثها ممن قبله فكانت ميراثا دائما دائرا بينهم خلفا عن سلف، وميراث من جهة أنهم سيفنون جميعا ولا يبقى لها إلا الله الذي استخلفهم عليها.
ولله سبحانه ميراث السماوات والأرض بكلا المعنيين، أما الأول: فلانه الذي يملكهم المال وهو المالك لما ملكهم، قال تعالى: " لله ما في السماوات والأرض " لقمان: 26، وقال: " ولله ملك السماوات والأرض " النور: 42، وقال: " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " النور: 33.
وأما الثاني: فظاهر آيات القيامة كقوله تعالى: " كل من عليها فان " الرحمن: 26 وغيره، والذي يسبق إلى الذهن أن المراد بكونهما ميراثا هو المعنى الثاني.
وكيف كان ففي الآية توبيخ شديد لهم على عدم إنفاقهم في سبيل الله من المال الذي لا يرثه بالحقيقة إلا هو تعالى ولا يبقى لهم ولا لغيرهم، والاظهار في موضع الاضمار في قوله: " ولله " لتشديد التوبيخ.
قوله تعالى: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا " الخ، الاستواء بمعنى التساوي، وقسيم قوله: " من أنفق من قبل الفتح وقاتل " محذوف إيجازا لدلالة قوله: " أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا " عليه.
والمراد بالفتح - كما قيل - فتح مكة أو فتح الحديبية وعطف القتال على الانفاق لا يخلو من إشعار بل دلالة على أن المراد بالانفاق في سبيل الله المندوب إليه في الآيات هو الانفاق في الجهاد.
وكان الآية مسوقة لبيان أن الانفاق في سبيل الله كلما عجل إليها كان أحب عند الله وأعظم درجة ومنزلة وإلا فظاهر أن هذه الآيات نزلت بعد الفتح والقتال الذي بادروا إليه قبل الفتح وبعض المقاتل التي بعده.
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست