مشارق الشموس (ط.ق) - المحقق الخوانساري - ج ١ - الصفحة ٦٣
دليله أن في الأوامر الإلهية التي من باب العبادات لا يكفي الاتيان بالمطلوب بأي وجه كان بل لا بد من الاتيان به متقربا إليه فالمأمور به في الحقيقة في أمثال هذه الأوامر ليس الطبيعة مطلقة بل الطبيعة مع قيد الاخلاص وسيجئ الكلام فيه إنشاء الله تعالى في مبحث النية ولا شك أن الاتيان بالمطلوب فيما نحن فيه التقرب ولا نسلم أنه يلزم أن يكون المنظور ذلك الطلب بخصوصه لا يقال أن ما ذكرت وإن صح بحسب العرف لكن الشرع ورد بخلافه للرواية التي كادت أن تكون متواترة كما هو المشهور من قوله إنما لامرء ما نوى لان في الصورة المذكورة لم ينو امتثال غير الجنابة فلم يكن له بدليل الحصر لأنا نقول لا نسلم عموم هذه الرواية بل هي أما مجملة لم يعلم المراد منها أو ظاهرة في أن للمرء في أعماله ما قصده من ذلك العمل من التقرب إلى الله تعالى وطلب مرضاته والمثوبات الأخروية أو مطلبا آخر فاسد من المطالب الدنيوية وحاصله أنه لا بد في الأعمال من الاخلاص وأن يكون الغرض منها ابتغاء مرضاته حتى يترتب عليها الثواب وقس عليه ما ورد أيضا من أنه لا عمل إلا بنية وإنما الأعمال بالنيات وليس المراد إن ما لم يقصد في الأعمال لم يحصل للمرء أي شئ كان كما يحكم به الوجدان وعلى تقدير تسليم العموم أيضا يمكن؟
أن يقال لا نسلم أنه لم ينو في الغرض المذكور امتثال أوفر ما عدا الجنابة لان الامتثال كما عرفت إنما يحصل بإتيان الفعل مع الاخلاص فعند قصد ذلك الفعل مع الاخلاص إنما يقصد الامتثال أيضا ضمنا وإن لم يكن صريحا ولا نسلم ظهور الرواية في القصد الصريح فإن قلت بما تقرر ظهر أن في الصورة المذكورة يحصل الامتثال بمعنى سقوط الذم على الترك والعقاب به وعدم بقاء توجه التكليف إليه فهل يحصل الثواب والاجر على مثل ذلك الفعل قلت الظاهر على قاعدة القايلين بأن الحسن والقبح عقليان وهو الحق كما بين في موضعه أن يكون له استحقاق مدح أو ثواب على ذلك الفعل إذ على هذه القاعدة لا بد أن يكون للفعل في نفسه حسن حتى يأمر به الشارع فلما أمر الشارع بذلك الفعل علم أنه حسن في الواقع وحسنه لا بد أن لا يكون مشروطا بشئ إذ لو كان مشروطا لأمر بذلك الشرط أيضا غاية ما في الباب تسليم اشتراطه بالقربة بناء على دلالة الكتاب والسنة عليه وأما اشتراطه بأن يكون الاتيان لخصوص ذلك الامر فلا إذا قد علمت أنه لا يلزم من نفس الامر بذلك الشئ ولا دليل خارجا أيضا يدل عليه والقربة موجودة في فرضنا هذا فلا بد أن يحصل للمكلف ما يترتب على ذلك الفعل من مدح أو ثواب أو كمال أو غير ذلك من المنافع الدنيوية والأخروية نعم لا نأبى أيضا من أن يكون الاتيان بقصد امتثال ذلك الامر بخصوصه حسنا لحكم العقل به ظاهر أو قد فاته حينئذ ذلك الحسن هذا ولا يخفى عليك جريان ما ذكرنا من تحقق الامتثال في كلا وجهي هذا القسم السابقين لان المكلف إذا كان عالما بأنه إذا اغتسل للجنابة يلزمه الخروج عن عهدة الغسل الاخر أيضا فلا يكون قصد نفيه قصدا حقيقيا بل يكون من باب التخيلات وإن لم يعلم فحينئذ وإن أمكن تحقق ذلك القصد منه خطأ لكن الظاهر أنه ليس بضائر لما علمت من كفاية الاتيان بالفعل في الامتثال عرفا واشتراطه بالقربة في العبادات شرعا وأما غير ذلك فلا حتى يثبت بدليل ولا دليل على اشتراط عدم قصد النفي وما يتخيل من دلالة الرواية المذكورة فقد عرفت ما فيه هذا حال الامتثال وأما الروايات فلأنها بإطلاقها دالة على كفاية الغسل الواحد مطلقا هو شامل لهذه الصورة أيضا فيجب الحكم بدخولها تحته لعدم ما يخرجها نعم لو ثبت أن في مثل هذه الصورة لم يتحقق الامتثال للجميع بل الامتثال إنما هو للمنوي فقط لكان في دلالة الروايات حينئذ إشكال لوجود المعارض بيانه أنه لو لم يتحقق الامتثال للجميع بل للمنوي فقط لكان كفاية الغسل الواحد عنه باعتبار سقوط التكليف عن غير المنوي إذ مع التكليف لا بد في الخروج عن العهدة من الامتثال وهو ظاهر وسقوط التكليف عن غير المنوي مستلزم لتقييد التكاليف المطلقة به إذ مع بقائها على الاطلاق لا معنى للسقوط ومعنى التقييد ها هنا إن التكليف بغسل الحيض مثلا إنما هو مقيد بعدم الغسل للجنابة إذ معه لا يجب غسل الحيض وإذ تقرر هذا فنقول قد تعارض عموم الروايات الدالة على وجوب غسل الحيض مثلا والروايات الدالة على الكفاية وبينهما عموم من وجه فكما يمكن تقييد روايات الوجوب بعدم غسل الجنابة كذلك يمكن تقييد روايات الكفاية بقصد الجميع لتحقق الامتثال حينئذ والظاهر أن الثاني أولى لكثرة المعارضات وأرجحية مستندها مع أن الظاهر من رواية الكفاية أيضا بقاء وجوب الأغسال بحالها وكفاية غسل واحد لها لا سقوط بعضها ولا يذهب عليك أن في صورة الشك أيضا في كون هذا الفعل امتثالا للجميع أو لا يمكن الاستدلال بروايات الكفاية كما في صورة اليقين بالامتثال إذ لو بقي هذه الروايات على عمومها لم يعلم بتحقق التخصيص في روايات الوجوب لاحتمال الامتثال حينئذ ولو خصص لكان التخصيص متيقنا ولا ريب أن ارتكاب احتمال التخصيص أدنى من ارتكابه يقينا هذا وأما حال وجوب الوضوء مع هذا الغسل وعدمه فعلى ما اخترناه ظاهر وأما على المشهور فالظاهر أيضا أنهم قائلون بعدمه وأنت خبير بأن مع ثبوت الاتفاق لا بحث وأما مع عدم ثبوته فللبحث مجال كما علمت في سابقه نعم لو قيل بأن الكناية ها هنا ليس من جهة الامتثال للجميع بل من جهة سقوط غير الجنابة لكان عدم الوجوب حينئذ ظاهرا من غير مناقشة كما لا يخفى وأما الثالث وهو أن ينوي غير الجنابة ففي الاجزاء حينئذ خلاف فالمحقق في المعتبر والمصنف في الذكرى وهذا الكتاب ذهبا إلى الاجزاء والعلامة (ره) في القواعد إلى عدمه وهذا هو الذي حكم المصنف بأنه تحكم ولما كان في كلام القوم ها هنا اشتباه فلا بد أولا من تحرير محل النزاع وتوضيحه ثم الاشتغال بأدلة الطرفين فاعلم أولا أنهم ذكروا أن هذا الخلاف يتأتى على المشهور من وجوب الوضوء في غير الجنابة وعدمه فيها وأما
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ترجمة المصنف (قدس) 2
2 ترجمة الشارح (قدس) 3
3 كتاب الطهارة معنى الطهارة لغة 5
4 اشتراط النية في الطهارة 5
5 في وجوب الوضوء 5
6 بيان وجوب الوضوء لمس خط القرآن 11
7 وجوب غسل الجنابة للصلاة 15
8 في وجوب التيمم للصلاة 16
9 في بيان وجوب الطهارات لنفسها أو لغيرها 26
10 حكم امكان التوضؤ والغسل والتيمم قبل الوقت وعدم امكانه بعد الوقت 32
11 استحباب الوضوء للصلوات المندوبة 33
12 تنبيه في التسامح في أدلة السنن 34
13 استحباب غسل الجمعة 39
14 وقت غسل الجمعة 41
15 الأغسال المستحبة في شهر رمضان 43
16 استحباب غسل العيدين 44
17 في الأغسال المستحبة 44
18 في رافعية الغسل المندوب للحدث 47
19 في استحباب التيمم بدل الوضوء المستحب 50
20 موجبات الوضوء 51
21 موجبات الغسل 61
22 في وجوب الوضوء مع الأغسال الواجبة الا الجنابة 69
23 وجوب ستر العورة عن الناظر 70
24 حرمة استقبال القبلة واستدبارها 70
25 في المسح بالحجر 75
26 مستحبات التخلي 78
27 فيما يستحب حال التخلي 78
28 ما يستحب عند الاستنجاء 79
29 في كيفية الخرطات التسع 80
30 المكروهات في حال التخلي 81
31 في عدم اشتراط الاستنجاء في صحة الوضوء 86
32 في وجوب النية المشتملة على القربة عند الوضوء 88
33 في حكم المبطون والسلس والمستحاضة 91
34 في اشتراط قصد الإطاعة وعدمه 91
35 فيما لو نوى رفع حدث واستباحة صلاة بعينها 94
36 عدم صحة الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر 98
37 في بطلان لو نوى لكل عضو نية تامة 98
38 حكم البالغ في الوقت 100
39 في حد غسل الوجه 100
40 غسل الاذنين ومسحهما بدعة 107
41 في حد غسل اليدين 108
42 عند افتقار الطهارة إلى معين بأجرة 112
43 في حد مسح الرأس 112
44 في كراهة مسح جميع الرأس 118
45 وجوب مسح الرجلين 118
46 في عدم جواز المسح على حائل من خف وغيره الا لتقية أو ضرورة 125
47 في اشتراط الموالاة 127
48 سنن الوضوء 131
49 فيما لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل 138
50 فيما لو شك في الحدث والطهارة بنى على المتيقن 141
51 في تعدد الوضوء ولا يعلم محل المتروك 145
52 في زوال العذر في الوضوء 153
53 حصول الجنابة بانزال المني 156
54 حصول الجنابة بمواراة الحشفة أو قدرها من المقطوع 160
55 حكم من لو وجد المني على ثوبه 162
56 فيما يحرم في حال الجنابة 164
57 في كيفية الغسل 168
58 في مستحبات الغسل 176
59 هل يكفى المسح كالدهن أم تجب الإفاضة 177
60 حكم ما لو أحدث في أثناء الغسل 179
61 درس: في الماء المطلق في اختلاط الماء الطاهر بالنجس وهي أربعة أقسام باعتبار اختلاف احكامها 185
62 أولا: الراكد دون الكر 185
63 ثانيا: في الماء الراكد الكثير 196
64 وثالثا: في الماء الجاري نابعا 205
65 في حكم ماء الغيث النازل كالنابع 211
66 رابعا: ماء البئر 215
67 في كيفية طهارة ماء البئر إذا وقع فيه شئ 220
68 فيما لو تغير ماء البئر 238
69 فيما لو اتصل ماء البئر بماء جارى طهرت 241
70 فيما إذا غارت البئر ثم عادت 244
71 في استحباب تباعد البئر عن البالوعة 246
72 في طهورية الماء المستعمل في الوضوء 247
73 طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء 252
74 في حكم الماء المستعمل في إزالة النجاسات 254
75 الماء المضاف لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا 259
76 في طهارة الخمر بالخلية والمرق المتنجس بقليل الدم بالغليان 262
77 فيما لو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما 264
78 كراهة سؤر الجلال وآكل الجيف مع الخلو عن النجاسة 268
79 في سؤر غير مأكول اللحم 270
80 حرمة استعمال الماء النجس والمشتبه به في الطهارة 281
81 فيما إذا صلى بالمشتبه أعاد الصلاة في الوقت وخارجه 288
82 لا يشترط في التيمم عند اشتباه الانية اهراقها 292
83 حكم النجاسات وهي عشر البول والغائط 293
84 المني والدم من ذي النفس السائلة 301
85 الميتة من ذي النفس السائلة 309
86 الكلب والخنزير ولعابهما 321
87 المسكرات 326
88 تذنيب في استدلال العلامة على طهارة الخمر وجوابه 333
89 في حكم الفقاع 336