إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٤٣١
ويشتمل عليه. وقيل كون كل منهما يستر صاحبه بالتزوج عما يكره من الفواحش، كما يستر الثوب العورة. فاللباس على الأول حسي، وعلى الثاني معنوي (قوله: وأصله) أي الخلع. وقوله مكروه: أي لما فيه من قطع النكاح الذي هو مطلوب الشارع. ولأنه نوع من الطلاق، وقد قال (ص): أبغض الحلال إلى الله الطلاق كما سيأتي (قوله: وقد يستحب) أي فيما إذا كانت تسئ العشرة معه، قال تعالى: * (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) * (1) الآية (قوله: كالطلاق) الكاف للتنظير:
أي أن الخلع نظير الطلاق في كون الأصل فيه الكراهة، وقد يستحب وفيه أن الخلع نوع من الطلاق لا نظيره، كما تقدم، إلا أن يقال أنه لما اختص بأحكام صار كأنه أجنبي منه، فلذلك نظره به (قوله: ويزيد الخ) أي أن الخلع يزيد على الطلاق بندبه لمن الخ: وفيه أن الندب والاستحباب شئ واحد. وحينئذ فلا معنى للزيادة لان الطلاق يندب أيضا. فلو جعله مثالا للاستحباب، كأن يقول بعد قوله وقد يستحب كما لو حلف الخ، لكان أولى. وعبارة ش ق: نعم لا يكره إذا خيف عدم القيام بحقوق الزوجية أو قصد به التخلص من الطلاق الثلاث لمن حلف بذلك. اه‍. وهي ظاهرة (قوله: على شئ لا بد له من فعله) أي على ترك شئ لا بد له من فعله كأكل وشرب وصلاة فرض: أي فيخالعها ليخلصه من الطلاق الثلاث ثم يفعله.
(والحاصل) الخلع مخلص من الطلاق الثلاث في الحلف على النفي المطلق كقوله عليه الطلاق الثلاث لا أفعل كذا، أو القيد كقوله عليه الطلاق الثلاث لا أفعل كذا في هذا الشهر، أو الاثبات المطلق كقوله عليه الطلاق الثلاث لأفعلن كذا. وأما الاثبات المقيد كقوله عليه الطلاق الثلاث لأفعلن كذا في هذا الشهر ففيه خلاف: فعند م ر، وحجر أنه لا يخلص مطلقا لما فيه من تفويت بر اليمين باختياره، وعند الزيادي تبعا للبلقيني أنه يخلص، وهو المعتمد: كما في الباجوري، وعبارته: والمعتمد أنه يخلص فيه أيضا بشرط أن يخالع والباقي من الوقت زمن يسع فعل المحلوف عليه، وإلا لم ينفعه قطعا. اه‍. وقوله بشرط أن يخالع الخ: ظاهر المغني عدم اشتراط هذا الشرط، وعبارته.
(تنبيه) ظاهر كلامهم حصول الخلاص بالخلع ولو كان المحلوف على فعله مقيدا بمدة، وهو كذلك. وخالف في ذلك بعض المتأخرين. قال السبكي: دخلت على ابن الرفعة فقال لي استفتيت فيمن حلف بالطلاق الثلاث لا بد أن يفعل كذا في هذا الشهر فخالع في الشهر فأفتيت بتخلصه من الحنث ثم ظهر لي أنه خطأ ووافقني البكري على التخلص فبينت له أنه خطأ. قال السبكي ثم سألت الباجي ولم أذكر له كلام ابن الرفعة فوافقه، قال: ثم رأيت في الرافعي في آخر الطلاق أنه لو قال إن لم تخرجي في هذه الليلة من هذه الدار فأنت طالق ثلاثا فخالع مع أجنبي من الليل وجدد النكاح ولم تخرج لم يقع الطلاق لان الليل كله محل اليمين ولم يمض الليل وهي زوجة له حتى يقع الطلاق وأنه لو كان بين يديه تفاحتان فقال لزوجته إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق ولامته إن لم تأكلي هذه الأخرى اليوم فأنت حرة فاشتبهت تفاحة الطلاق وتفاحة العتق، فذكر طريقين عن بعض الأصحاب في الخلاص ثم قال فلو خالع زوجته ذلك اليوم وباع الأمة ثم جدد النكاح واشترى خلص. وظاهر هذين الفرعين مخالف لما قاله ابن الرفعة والباجي. اه‍. وهو كما قال.
فالمعتمد إطلاق كلام الأصحاب. اه‍. وفي حاشية الجمل ما نصه: وفي جميع صور الخلع لا بد أن يكون العقد على مذهب الإمام الشافعي إذا عقدوا قبل انقضاء العدة وفعل المحلوف عليه. فإن عقدوا بالتوكيل، كما يقع الآن على مذهب الحنفية، لم يصح، بل يلحق الطلاق في العصمة الثانية لان شرط صحة الخلع عند الحنفية الصبر إلى انقضاء العدة وفعل المحلوف عليه ثم يجدد فليحذر مما يقع الآن من الخلع. اه‍. (قوله: قال شيخنا وفيه) أي ندبه لمن حلف الخ نظر (قوله: لكثرة القائلين بعود الصفة) أي المحلوف عليها. وإذا عادت الصفة وقع الطلاق المعلق عليها، فإذا حلف

(1) سورة البقرة، الآية: 229.
(٤٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»
الفهرست