إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٢٣٤
باب في الوصية أي في بيان أحكامها. وقدمها على الفرائض لأنه هو الأنسب، إذ الانسان يوصي ثم يموت ثم تقسم تركته.
وأكثرهم أخرها عنها لان قبولها وردها ومعرفة قدر الثلث ومن يكون وارثا متأخر عن الموت، ولان الفرائض أقوى وأهم منها، إذ هي ثابتة بحكم الشرع لا تصرف للميت فيها، وهذه عارضة فقد توجد وقد لا توجد، والأصل فيها قبل الاجماع، قوله تعالى، في أربعة مواضع، * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * (1) وتقديمها على الدين للاهتمام بشأنها، ولان النفس قد لا تسمح بها لكونها تبرعا، وإلا فهو مقدم عليها شرعا بعد مؤن التجهيز. وأخبار، كخبر ابن ماجة: المحروم من حرم الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ومات مغفورا له وكالخبر الذي ساقه الشارح. وكانت أول الاسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين، لقوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) * (2) ثم نسخ بوجوبها بآية المواريث، وبقي استحبابها في الثلث فأقل لغير الوارث، وإن قل المال وكثر العيال، قال الدميري، رأيت بخط ابن الصلاح أبي عمرو، أن من مات بغير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ، وأن الأموات يتزاورون في قبورهم سواه، فيقول بعضهم لبعض، ما بال هذا؟ فيقال مات من غير وصية اه‍. قال ع ش: ويمكن حمل ذلك على ما إذا مات من غير وصية واجبة، بأن نذرها، أو خرج مخرج الزجر. اه‍. وأركانها أربعة: موص، وموصى له، وموصى به، وصيغة. وكلها بشرائطها تعلم من كلامه (قوله: هي لغة الايصال) أي أنه الوصية في اللغة معناها الايصال (قوله: من وصى) أي أن الوصية مأخوذة من وصى، وهو بالتخفيف، كوعى، ومن قرأه بالتشديد فقد صحفه (قوله: لان الموصي الخ) كان الأنسب تأخيره عن المعنى الشرعي، لأنه توجيه لتسميته وصية. اه‍. بجيرمي (قوله: وصل خير دنياه بخير عقباه) الإضافة فيهما على معنى في: أي وصل الخير المنجز الواقع منه في الدنيا، وهو الطاعات الواقعة منه حال حياته التي من جملتها الاتيان بصيغة الوصية بالخير الواقع في آخرته المسبب عما قبله في حال حياته، فإذا قال أوصيت له بكذا، أو أوصيت بعتق هذا العبد، فهذا خير واقع منه في دنياه، وإعطاء الموصى له الوصية بعد الموت أو إعتاق الوارث بعده خير عقباه، لا يقال القربة الصادرة من الموصي ليست إلا الوصية وهي في حياته، والواقع بعد موته إنما هو أثر ذلك، وهو وصول الموصي به للموصى له أو إعتاق العبد، وهذا الأثر ليس فعل الموصي، لأنا نقول إنما نسب ذلك إليه لتسببه فيه، كما أشرنا إليه، فقد حصل له بإيصائه خير بعد موته، وصدر منه في حياته خير، وقد وصل أحدهما بالآخر، ويحتمل أن المراد أنه وصل خير دنياه، أي تمتعه في الدنيا بالمال، بخير عقباه، أي انتفاعه بالثواب الحاصل بالوصية بالمال، وعلى كل، ففي العبارة قلب، والأصل وصل خير عقباه بخير دنياه، لان الوصلة تقع بعده فالذي يوصل هو المتأخر، وقد يقال لا حاجة لذلك لان الايصال أمر نسبي، فكل منهما متصل بالآخر. اه‍. ش ق (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: مضاف) بالرفع صفة لتبرع، وبالجر صفة لحق، وهو

(1) سورة النساء، الآية: 11.
(2) سورة البقرة، الآية: 180.
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست