إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ١٦٢
فصل في بيان أحكام الغصب أي في بيان أحكام الغصب، كوجوب رده، ولزوم أرش نقصه، وأجرة مثله، إلى غير ذلك والمعتمد أنه كبيرة مطلقا، وقيل كبيرة إن كان المغصوب مالا بلغ نصاب سرقة، وإلا فصغيرة، كالاختصاص ونحوه. والأصل في تجريمه قبل الاجماع آيات: كقوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (1) أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، وقوله تعالى: * (ويل للمطففين) * (2) وأخبار كخبر إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم وخبر من ظلم شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين رواهما الشيخان، وفي رواية لهما: من غصب قيد شبر من أرض: طوقه من سبع أرضين يوم القيامة وقيد بكسر القاف وسكون الياء: بمعنى قدر. وطوقه، بضم أوله، وكسر الواو المشددة، يحتمل أنه على حقيقته، بأن يجعل كالطوق في عنقه، ويطول عنقه جدا حتى يسع ذلك، ويحتمل أنه كناية عن شدة عذابه ونكاله (قوله:
الغصب الخ) أي شرعا، أما لغة، فهو أخذ الشئ ظلما مجاهرة وقيل أخذ الشئ ظلما مطلقا، ودخل في الشئ، المال، وإن لم يتمول، كحبة بر، والاختصاص، كالسرجين، والخمر المحترمة، وخرجت السرقة على القول الأول، ودخلت على القول الثاني، فتسمى غصبا لغة (قوله: استيلاء على حق غير) استيلاء، مصدر استولى يقال استولى على كذا إذا صار في يده قال البجيرمي: والمراد به ما يشمل منع الغير من حقه، وإن لم يستول عليه، بدليل قوله: كإقامة من قعد بمسجد فهو استيلاء حكما. اه‍. وتعبيره بقوله على حق، غير أعم من قول غيره على مال الغير، لأنه يدخل في الحق، الاختصاص، والمنافع، بخلاف المال، فلا يدخل فيه ما ذكر وفي شرح الروض، ولا يصح قول من قال هو الاستيلاء على مال الغير، لأنه يخرج، الكلب، والخنزير والسرجين، وجلد الميتة، وخمر الذمي، وسائر الاختصاصات، وحق التحجر. (قوله: ولو منفعة) أي: ولو كان ذلك الحق منفعة، وقوله كإقامة من قعد بمسجد أو سوق، زاد في التحفة بعده، والجلوس محله، ولم يزده في النهاية. وكتب البجيرمي: قوله من قعد بمسجد، أي وإن لم يستول على محله. اه‍. وهو يوافق تعريفه السابق للاستيلاء، أي فإذا أقام من قعد في مسجد أو سوق، أي أو موات، أو منعه من سكنى بيت رباط مع استحقاقه له، فهو غاصب (قوله: بلا حق) متعلق باستيلاء، وكان الأولى تقديمه على المثال، لتنضم القيود إلى بعضها، والمثل إلى بعضها، ولان ظاهر عبارته يقتضي أنه متعلق بإقامة، مع أنه من تتمة التعريف، فهو متعلق باستيلاء. وخرج به: العارية، والسوم، ونحوهما، كالبيع، فإن في ذلك استيلاء على حق الغير، لكن بحق. ودخل فيه، ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله، فإنه غصب، والتعبير به أولى من قول غيره عدونا، لأنه يخرج به ما ذكر، فيقتضي أن ذلك ليس غصبا، مع أنه غصب حقيقة، على المعتمد خلافا لقول الرافعي، إن الثابت في هذه حكم الغصب، لا حقيقته، وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الاثم مطلقا، وليس كذلك، بل هو غالب فقط.
(والحاصل) أن الغصب، إما أن يكون فيه الاثم والضمان، كما إذا استولى على مال غيره المتمول عدوانا، أو الاثم دون الضمان، كما إذا استولى على اختصاص غيره، أو ماله الذي لا يتمول عدوانا، أو الضمان دون الاثم، كما إذا استولى على مال غيره المتمول يظنه ماله، فهذه ثلاثة أقسام، وزاد بعضهم قسما رابعا: هو ما انتفى فيه الاثم والضمان، كأن أخذ اختصاص غيره يظنه اختصاصه.
(تنبيه) لو أخذ مال غيره بالحياء، كان له حكم الغصب، فقد قال الغزالي: من طلب من غيره مالا في الملا، أي

(1) سورة البقرة، الآية: 188.
(2) سورة المطففين، الآية: 1.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست