الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٢٢
(الخيانة) إلا لقاء المال. هنا ينسب إليه دوري غرضا طالما لجأ إليه في تفسير الدوافع دون موجب (1): وذلك أن الأشعث قد ظل في قلبه مشركا قديما فأراد الانتقام من الاسلام لما حل به في نجيم. والحق أنه قد بلغ بإسلامه في الكوفة منزلة لم ينلها من قبل في نجيم لقد كان القوم ينظرون إلى الاسلام عادة من ناحيته السياسية التي أدت إلى توحيد العرب وقادتهم إلى السيطرة العالمية فكانوا يستطيعون أن يتعزوا عن الماضي بالحاضر الملئ بالمجد ولم يكن لدى الأشعث في هذا الباب من الدوافع أقل مما كان لغيره من أهل الردة الذين كانوا يؤلفون الجمهرة العظمى من سكان الكوفة والبصرة. وحتى لو غضضنا النظر عن هذه الاعتبارات فإن الثأر لما حل به في نجيم لا يكفي ليكون دافعا له إلى هذا العمل أعني خيانة علي لصالح معاوية.
فالبحث عن خونة إذن لا جدوى فيه ولا محل له. وليس أمرا بعيدا عن التصديق أن تكون حيلة رفع المصاحف لدى الخطر العظيم قد طرأت فجأة على فكر عمرو بن العاص الداهية. بل الفكرة نفسها قريبة الورود إلى الذهن ولعله كان لها سوابق (2) فالرماح كانت تستخدم دائما أعلاما وشارات وكان القرآن راية الاسلام. فكان ذلك بمثابة تذكير لأهل العراق أنهم إنما يقاتلون قوما رايتهم كرايتهم:
كلام الله. ولم تكن أذهانهم في حاجة إلى إعداد سابق ليفهموا ذلك فليس من المستغرب إذن أن تكون هذه الحيلة قد أثرت فيهم. فالنزاع حول حق الخلافة قد أدى بهم إلى النزاع مع عثمان ثم مع عائشة وأهل البصرة وها هو ذا يدفعهم أخيرا إلى حرب معاوية وأهل الشام: فانقسمت الجماعة على نفسها إلى شيعة علي وشيعة معاوية. وهذه النتيجة خطيرة في ذاتها لان الاسلام إنما أراد القضاء على تنازع العرب وتناحرهم فيما بين بعضهم وبعض وتم له ذلك فعلا وأمر بالمحافظة على وحدة الأمة الاسلامية وأمنها بوصف ذلك نعمة كبرى مقدسة وتبين عن طريق الأحاديث التي تبودلت بين أبناء الجيشين المتحاربين زمانا طويلا في صفين أن أهل

(1) مثلا فيما يتصل بمسلم بن عقبة.
(2) راجع (الطبري) (1 / 3186، 3188 - 876: 19). ويوجد مثال آخر متأخر أورد ذكره نيقفورس Nicephorus (37: 4) (نشرة دي بور De Boor).
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست