الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٨
أما الأشعث فقد استمر يلعب دور الوسيط المتحمس في وساطته حماسة من طبع على أنفه بالنار وبعد الفراغ من وضع المعاهدة ركب ودار في معسكر أهل العراق ليعلن مضمونها للجميع حتى بلغ جمعا من بني تميم البصريين. كان فيهم عروة ابن أدية الحنظلي وقرأ عليهم مضمون الاتفاق فلما رأى عروة أن مصير خلافة المسلمين قد صار بين أيدي رجلين صاح غاضبا: لا حكم إلا لله! وأهوى بسيفه على مؤخرة دابة الأشعث حتى وثبت وثبة عنيفة (1). فغضبت قبيلة الأشعث اليمنية من أجله على بني تميم وقام رؤساء بني تميم بينهم يهدئون من حفيظة الأشعث ولما عاد أهل العراق أدراجهم عم السخط بينهم على نتيجة هذه المعركة. بل إن الذين دفعوا عليا إلى وقف القتال أخذوا عليه أنه ترك أمر الخلافة إلى هوى متفاوضين.
فدب النزاع العنيف بينهم وبين أنصاره المخلصين. ولاموا هؤلاء الأخيرين على تأييدهم لعلي حتى لو ضل السبيل وما هم إذن إلا عبيد شأنهم شأن أهل الشام الذين اتبعوا معاوية في كل الأحوال دون أن يتساءلوا ما إذا كان على صواب؟..
فكانت عودة أهل العراق إلى الكوفة عودة أليمة أشد إيلاما من عودة جيش مهزوم لان النصر الذي كلف من الدم ثمنا غاليا قد تبدد بأرخص الأثمان. وكانت شكوى أهل القتلى مثار حزن شديد في فؤاد علي بينما كانت سخرية (أنصار عثمان) صريحة جرحت نفسه: فاغتبط المنافقون واغتم المخلصون وانفصل عن علي اثنا عشر ألف رجل أبوا العودة معه إلى الكوفة وساروا إلى قرية حروراء (2) تحت لواء التحكيم: لا حكم إلا الله! ومن هنا سموا باسم: (المحكمة). ولكن يطلق عليهم عادة اسم: (الحرورية) أو بلفظ أعم: (الخوارج) (3).

(1) (المترجم: ورد في (الطبري) (1 / 3338) هكذا: (خرج الأشعث بذلك الكتاب يقرأه على الناس ويعرضه عليهم فيقرأونه حتى مر به على طائفة من بني تميم فيهم عروة ابن أدية - وهو أخو أبي بلال فقرأه عليهم. فقال عروة بن أدية: تحكمون في أمر الله عز وجل الرجال؟! لا حكم إلا الله! ثم شد بسيفه فضرب به عجز دابته ضربة خفيفة. واندفعت الدابة وصاح به أصحابه إن أملك يدك - فرجع. فغضب للأشعث قومه وناس كثير من أهل اليمن. فمشى الأحنف بن قيس السعدي ومعقل بن قيس الرياحي ومسعر بن فدكي وناس كثير من بني تميم فتنصلوا إليه واعتذروا فقبل وصفح). - ومن هذا يرى أن الدابة دابة عروة بن أدية لا دابة الأشعث كما فهم المؤلف).
(2) Apoupital - راجع ثيوفانس. 13, 439, 9, 424. 18, Theoph 421 نشرة De Boor (3) إن الفعل الذي اشتق منه هذا اللفظ معناه في الأصل: خرج للقتال غضب ثار ويستعمل أيضا بمعنى مطلق (الطبري) (2 / 33 س 6) أما هنا فمعناه (خرج على الجماعة) (543: 20، 889: 5) وقد مزج ثاوفيلس (347: 30) بين اللفظ (الخوارج) و (الحرورية) في كلمة مركبة لعل خبر ترجمة لهذا اللفظ هي Noncoformisten أو Separtisten
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 15 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست