الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٩
تلك رواية أبي مخنف وهي أقدم ما وصلنا. وقد رأى الباحثون المحدثون - مقتفين إثر فيل - أنها غير مفهومة ويتوسمون وجود خونة في صف أهل العراق تآمر معهم معاوية وعمرو بن العاص مقدما ومن السهل إدراك من هم هؤلاء الخونة: إنهم أبو موسى الأشعري والأشعث بن قيس.
وكان أبو موسى الأشعري من أقدم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم متمكنا من قراءة القرآن ذا مكانة ملحوظة. وقد ظل اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة من 17 إلى 29 هجرية واليا على البصرة في فترة حافلة بالاحداث والاضطرابات. وفي سنة 29 عزله عثمان من منصبه ليسنده إلى أحد أقربائه الشبان. فاستقر به المقام في الكوفة حيث أصبح محبوبا من الجميع حتى إن أهل الكوفة طالبوا بأن يكون واليا عليهم بدلا من سعيد بن العاص الأموي الذي حالوا بينه وبين دخول مدينتهم وأرسلوا إلى عثمان في ذلك وبطبيعة الحال لم يكن أبو موسى صديقا لعثمان بن عفان الذي عزله عن ولاية البصرة بغير سبب ولم يوله أمر الكوفة إلا مكرها وإلا لما سعى إليه أهل الكوفة وهم خصوم عثمان. غير أن أبا موسى لم يكن راضيا عن مقتل عثمان بل تنبأ بأن سيكون لمقتله أسوأ النتائج وحاول أن يحمل أهل الكوفة على الوقوف موقف الحياد وعدم الانضمام إلى علي. حقا إنه لم يفلح في ذلك بل نحي جانبا. ولكنه ظل مع ذلك آمنا في الكوفة ولم يكن وحده في هذا الرأي هناك. كذلك لم يخف رأيه. فكان علي يعرف جيدا موقفه ولهذا احتج على اتخاذه حكما.
على أي أساس إذن يقوم الاتهام بأنه لم يكن أمينا في سلوكه لدى معركة صفين بل لعب دوره على تفاهم وتواطؤ مع أهل الشام؟ على أساس هذه الواقعة: وهي أنه كان على مقربة من مكان المعركة وكأن ثمت حاجة إليه (1). ولكن هذا أمر لا يدعو إلى الغرابة من وجهة نظر العرب أعني ألا يظل رجل بارز المكانة في دياره

(1) كان في أرد بين تدمر والرصافة أي في مكان قريب جدا من ميدان المعركة (الطبري) (1 / 3334) وراجع: (الاخبار الطوال) للدينوري (ص / 205) (نشرة Hubsch).
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 15 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست