الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٢٤
العموم أتقياء عاكفين على دراسة القرآن - نقول إن بعضهم في مقابل القراء؟ الحق أنه بدأ من مقدمات كاذبة إن عرب الكوفة والبصرة كانوا جميعا تقريبا من البدو بمعنى أنهم جاءوا من قبائل تقيم في البادية ولكن هذا لا يدل على شئ بالنسبة إلى الخوارج. إن رابطتهم بقبائل البادية كانت قد انحلت منذ هجرتهم أعني منذ ارتحالهم إلى مدائن الجيوش وانخراطهم في الجيوش (1). والهجرة نفي للبداوة.
والمهاجر في مقابل الاعرابي (2). لقد كانوا (مقاتلة) أي محاربين يتقاضون أجورهم من بيت المال رفعتهم ثمرات الجهاد إذ صنع الله بأيديهم صنائع عظيمة ولما كانوا في فراغ من الجهاد ويقيمون في الحواضر اتجه اهتمامهم إلى الأمور العامة للخلافة. أما البدو الخلص الذين احتفظوا بطباعهم الأصيلة فقد ظلوا بعيدين عن الحركات والأحزاب (3) الدينية السياسية شأنهم شأن سكان القرى. ولم يحسبهم الاسلام كاملي الايمان بل عدهم سراق الإبل فكانت كلمة (أعرابي) كلمة تحقير تدل على الرجل غير المتدين وغير صحيح الايمان فإن ورد منهم أحد على الكوفة أو البصرة خشي عليه أن يكون موضع المهانة والاستهزاء (4). أما الذين يدخلون في الديوان ويقيمون في الأمصار من المقاتلة فينالون مكانة رفيعة. ويعز عليهم أن يعودوا إلى القبائل التي انحدروا منها في موطنهم الأصيل. لقد كان ذلك بمثابة عقوبة ومنفى (5). ولا شئ يدل على أن قدماء الخوارج الذين كانوا يسكنون الكوفة والبصرة كانوا يختلفون من هذه الناحية عن سائر أهل الكوفة والبصرة. بل الامر بالعكس فبينما كان الآخران يحرصون على قرابات الدم والأنساب كانوا هم أقل اهتماما بذلك أو لم يكونوا يعلقون على ذلك أهمية جوهرية. لقد انتزعوا أنفسهم من أسرهم وإذا عادوا إلى حظيرتها من جديد - وهو أمر كان يحدث كثيرا -

(1) راجع (كتاب الخراج) يحيى بن آدم (ص / 59).
(2) (الطبري) (2 / ص 864 س 9).
(3) (أهل الأهواء)، (كتاب الكامل) (ص / 546 س 7).
(4) (الطبري) (2 / 94) وما يليها، (ص / 568 س 11) (ص / 590 س 6) (ص / 825 س 11) (الأغاني) (17 / 111 س 24).
(5) يدل على هذا خبر عبد الله بن خليفة الطائي انظره في (الطبري) (1 / 3280) وما يليها (2 / 148) وما يليها.
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»
الفهرست