الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٣٦
شئ ثم في الفوق فلا يوجد شئ: سبق الفرث والدم (1)). وطبيعي أن هذه القصة عن هذا السلف القديم للخوارج قصة أسطورية. وما يعنيني هنا قبل كل شئ هو نقد الخوارج الصارم. فالتشدد في مبادئ الاسلام يفضي بهم إلى أن يتجاوزوا بنقدهم إلى النبي نفسه صلى الله عليه وسلم.
ومذهب الخوارج مذهب سياسي هدفه تقرير الأمور العامة وفقا لأوامر الله ونواهيه. بيد أن سياستهم ليست موجهة نحو أهداف يمكن تحقيقها فضلا عن أنها منافية للمدنية: لتكن عدالة ولو فنيت الدنيا بأسرها! وهو أمر لم يكونوا يجهلونه.
إذ لم يكونوا يعتقدن انتصار مبادئهم على الأرض. وإنما يرضون أن يموتوا مجاهدين. إنهم يبيعون حياتهم ويحملون أنفسهم إلى سوق ثمن أرواحهم فيه هو الجنة (2). والأساس الذي يستند إليه هذا التشدد في التقوى هو الايمان الحق بأن الدنيا عبث وأن بقاءها قصير وأن يوم الساعة قريب. وهم إذن يبذلون كل طاقة عسكرية من أجل تحقيق سياسة خلو من كل سياسة وابتغاء الفوز بالجنة.

(1) ابن هشام (ص / 844) الطبري (1 / 1682) الواقدي (ص / 377) (الكامل) (ص / 545) البخاري (2 / 159 161 وما يليها ص / 187 وما يليها ص / 226 وما يليها 3 / 62 ص / 114 ص / 196 4 / 63 ص / 161 وما يليها ص / 183 وما يليها). ولقب: (ذو الخويصرة (يستبدل به (ذو الثدية) و (المخدج) - والثلاثة بمعنى واحد هو: رجل مشوه الذراع يده قطعة لحم شبيهة بثدي المرأة (يصحح الواقدي ص / 337 تبعا لابن الأثير 3 / 292 والمسعودي 4 / 416). وورد في (الكامل) (ص / 595 س 18) أن التميمي المذكور هو حرقوص بن زهير راجع ما ورد عنه في الطبري (1 / 2541 وما بعدها ص / 2955 3340 وما يليها 2 / 3364 وما يليها ص / 3380 3382). ولكنه في الحقيقة شخص مجهول تماما. وقد أمر علي ابن أبي طالب بالبحث عن جثة ذي الثدية الطبري (ص / 3383 وما يليها) بين قتلى معركة النهروان. وكثيرا ما كان علي يتحدث عن رجل مخدج اليد كعلامة على الخوارج حتى إن نافعا المخدج من كثرة ما سمع عليا يقول ذلك حسب أنه هو المقصود فخرج يريد الخوارج تحت تأثير هذا الوهم الطبري (ص / 3388). وقد ورد ذلك في أبيات للشاعر الشيعي السيد الحميري (الأغاني) (7 / 13).
فهذا الخارجي القديم المجهول الاسم يبدو إذن أنه صورة قديمة التاريخ.
(2) ومن هنا تلقيبهم بلقب (الشراة) (لفظة عربية قديمة نجدها مثلا في ديوان عروة بن الورد (ص 3 س 2) ونجده كذلك لدى ثيوفانس (ص / 366 س 28) والكلمة يقصد بها الشخص الذي قدم حياته.
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست