الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٣٣
الامر كذلك في كل مكان وعند سائر الناس أعني أن عليهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتغيير المنكر واجب على كل فرد: بلسانه ويده وهذا المبدأ مبدأ إسلامي عام ولكن تحقيقه بمناسبة وغير مناسبة كان علامة دالة على الخوارج.
ولكن واجب الفرد في نصرة الله إذا خولف عن أمره يؤدي إلى تصادم مع السلطة الحاكمة. ومن هنا فإن السلطة الحاكمة الدينية - ليست وحدها بل هي على الأخص - تعاني من تناقض داخلها. لا سلطان على البشر إلا لله ففكرة الملك إذن تتنافى مع إرادة الله وليس لاحد قبل غيره حقوق تتصل بشخصه وتكون وراثية في أبنائه وأهله. لا تكون السلطة شرعية إلا إذا كانت وطالما كانت تحكم باسم الله ووفق مشيئته فهي إذن تخضع للدين ولنقد الدين (أي للنقد الذي يوجه إليها باسم الدين). ذلك هو القطب السالب للحكومة الدينية بيد أن لها قطبا موجبا كذلك. فهي تقيم (الجماعة) جماعة المسلمين كلهم في هيئة منظمة يسودها السلام والاتحاد تنتفي عنها الفوضى وفي هذا السبيل تضع على رأسها (إماما) يرمز ويعبر عن وحدة الأمة الاسلامية وأول الأئمة هو النبي (محمد) المبعوث من (1) الله ثم الخليفة الذي يخلف الرسول وهذا الخليفة هو أيضا ذو سطان مقدس (وإن كان ذلك بطريقة فرعية لا أصلية) ينتقل منه أيضا إلى الولاة والعمال الذين يوليهم وفي هذا التعارض بين (الدين) و (الجماعة) بين واجب أن يضع الانسان الله والحق فوق كل شئ - وواجب الخضوع لامر الجماعة وإطاعة الامام - نقول في هذا التعارض يقف الخوارج في صف الدين بكل قوة. وفي فهمهم لماهية الدين يختلفون عن سائر الناس كذلك مثارات شكواهم مشابهة لمثارات شكوى سائر الناس (2). وإنما يمتازون عن غيرهم بشدتهم في تقديم الدين على أي اعتبار آخر وتصلبهم بحيث لا يقبلون أدنى تساهل في أمر الدين. فلا جماعة (أي دولة) على حساب الدين إذ الجماعة (الدولة) إنما تصان بالعادة والنظام الظاهري وتتضمن الطيب والخبيث! ولا يعترف الخوارج بالجماعة (الدولة)

(1) [المترجم: الترجمة الحرفية للنص هنا تقتضي: (النبي بوصفه الوكيل المطلق السلطان عن الله].
(2) (الطبري) (ص / 984 س 8) وما يليه (الأغاني) (20 / 104 ص / 17) وما يليه (ص / 106 س 7 - س 22 ص / 107 س 7).
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 31 32 33 34 35 36 37 39 ... » »»
الفهرست