الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٢٧
هم أسلاف طبقات القراء الذين أتوا من بعدهم وكانوا في طليعة المحاربين في معركة (الجمل) و (صفين) وفي كل المعارك التالية خصوصا في الحرب ضد الحجاج بن يوسف الثقفي. أجل لم يكونوا مؤسسين وقادة للحركات الكبرى ولكنهم كانوا مثيري الحماسة في الجماهير ونادرا ما كانوا يسبحون ضد التيار العام بل كانوا في الغالب في طليعة الجماهير ومقاييس لدرجة حرارتهم وأبواقا صاخبة في أفواه الرأي العام. وكانت المعارضة خير ميدان مجز لنقدهم وحججهم.
ولذا كان نجاحهم في الشام أقل منه في العراق وكان أبرز ميادين نجاحهم في الكوفة والبصرة واللواء الذي انضووا تحته وانتموا إليه هو لواء الله والقرآن وسنة الرسول والحق والتقليد المتبع. بيد أنهم حزبا سياسيا لم يكونوا سندا وثيقا يؤمن له حتى ولا لقائد رفعوه هم أنفسهم إلى مركز القيادة.
أما وهذا شأن القراء فعلى المرء الاقرار بإمكان أن يكون هؤلاء هم التربة التي نبت فيها الخوارج. فهؤلاء الأخيرون كانوا قوما شديدي التقوى تنحل لهم صفات أولئك: كانوا يقرأون القرآن لا بلسانهم فحسب بل ليتعبدوا به ويفكرون فيه آناء الليل وأطراف النهار وكانوا (أنضاء عبادة وأطلاح سهر) قد أكلت الأرض جباههم من كثرة السجود وكانوا يتأملون معاني الدين ويناقشون في أحكامه بمهارة.
ومن العلامات المميزة للعابدين القانتين في ذلك العهد لبس البرنس وكانت في الخوارج القدماء جماعة يلبسون البرانس على رأسهم عبد الله بن شجرة السلمي.
هل من الضروري إذا توكيد وجود هوة (انفصال تام) بين جماعة القراء وجماعة الخوارج من أجل أن نوزع دور السقوط ودور النهوض على فريقين مختلفين؟ أمن غير المعقول أن يكون نفس الاشخاص قد ضلوا السبيل في أول الأمر ثم ثابوا إلى رشدهم من بعد؟ إننا إن لم نقر بهذا لم نستطع أن نفهم حقيقة الخوارج لقد أخطأوا وبعد خطيئتهم رجعوا عن باطلهم وأيقنوا بما بان لهم أنه جوهر الايمان.
وعدوا أن الحيرة الطارئة التي ألمت بهم كانت ذنبا عظيما فوطنوا العزم على بذل أقصى المجهود في الكفارة عنه. فالباعث إذن على ظهور الخوارج وعلى كيفية سلوكهم هو التوبة (1). والتوبة عندهم إنما تكون بالافعال وبهذا أيضا طالبوا

(1) معنى التوبة في الاسلام يتبينه القارئ من (تاريخ الطبري) (2 / 332 س 2) وما يليه [المترجم: لم نتبين من هذا الموضع إشارة إلى معنى التوبة وكل ما ورد فيه هنا مناقشة عنيفة بين شمر بن ذي الجوشن وبين زهير بن القين حول تخلية سبيل الحسين بن علي بن أبي طالب وقتله وعدم وجوب قتل ذرية محمد صلى اله عليه وسلم... إلخ].
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 31 32 33 ... » »»
الفهرست