الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٢٣
الشام ليسوا أقل من أهل العراق إيمانا بأنهم على حق وأنهم إنما يبتغون وجه الله.
فمن اليسير أن نفهم إذا أن يكون أهل العراق قد بدأوا يراجعون أنفسهم وأن رفع المصاحف قد أحدث أثره المؤقت فيهم وهم كانوا أكثر انفعالا وتقلبا في الهوى فأحسوا بأنهم إزاء مشكلة دينية حرجة ولم يسلكوا المسلك الذي تقتضيه الاعتبارات السياسية والعسكرية.
* هل القراء أصل الخوارج؟!
كان لطبقة القراء في العراقيين التأثير الحاسم وهم الذين أهابوا بالقرآن حكما ووسيطا في المشاكل التي تعرض للمسلمين وحملوا العامة على هذا الرأي وأرغموا عليا على التسليم به ولكنهم هم أيضا كانوا أشد الناس ثورة واحتجاجا على معاهدة الصلح وقرار التحكيم ومنهم كانت طبقة الخوارج وهذا ما قاله أبو مخنف بعبارة جافة حسبما أورده الطبري (1 / 3330) وتلك هي الرواية المشهورة.
ولكن برنوف (1) يرى أن هذا التحول المفاجئ لدى الجماعة نفسها أمر غير ممكن.
ولهذا يرى أن يوزع هذه الاعمال المتناقضة على جماعات مختلفة لا جماعة واحدة هي جماعة القراء (حفظة القرآن): فالقراء أوقفوا القتال ثم احتج الخوارج بعد ذلك على وقف القتال وهؤلاء الخوارج كانوا من البدو والحادث الذي روى أبو مخنف وقوعه بين الأشعث وعروة بن أدية يبين بجلاء أن الثورة على الصلح لم يقم بها القراء. ولكن هذا الحادث أمر عرضي تماما وما هو إلا مقدمة للتحول العام الذي حدث بعد ذلك. وما أثير بهذا الصدد إنما كان أمرا شكليا ألا وهو:
من أول من دعا إلى التحكيم؟ - وهو أمر قد أثار فيما بعد كثيرا من الجدل وأجيب عنه بإجابات مختلفة (2) وبغض النطر عن هذه المسألة نتساءل: من أين يحق لبرنوف أن يقول: إن عروة بن أدية وبالجملة الخوارج القدماء كانوا من البدو وأن يضع هؤلاء (العرب البدو الخلص) - الذين يقول عنهم مع ذلك إنهم كانوا على

(1) في رسالة عن الخوارج اشتر سبورج سنة (1884).
(2) الدينوري: (ص / 210) (الكامل) (ص / 538 س 16) وما يليه (ص 544 س 1) وما يليه. كذلك راجع (الكامل) ص / 565 س 11) حيث روى بمناسبة أخرى خبر جرح دابة أحد وسطاء الصلح وكان الذي جرحها من الخوارج.
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست