الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٢٠
بينما قومه يسيرون إلى القتال ثم يمتنع من القتال حينما يبدو له أن الامر الذي يقاتل من أجله أمر يدعو إلى الريبة. ولم يتواطأ مع معاوية ولم يبد في أثناء التحكيم أنه متحيز له وهرب من وجه أهل الشام إلى مكة وخاف على حياته حينما دخلوا مكة تحت إمرة بسر. ذلك أنه وقف موقف المحايد بين الفريقين في هذه الحرب الداخلية شأن غيره كثيرين ولم يكن رجله عليا ولا معاوية بل عبد الله بن عمر. فمن السهل إذن أن نفهم لماذا وقع اختيار أهل الكوفة على واليهم القديم حينما بدأوا هم يترنحون: (إذا وقعنا فيما حذرنا منه).
لم يبق إذن إلا الأشعث ليتهم بالخيانة وأمر اتهامه أيسر إلى القبول من أبي موسى إذا حسبنا حساب موقفه في نجيم. ومن هنا ألقى فيل Weil ودوزي Dozy وبرنوف Bruunnow وملر Muller عب ء التهمة الرئيسي عليه. فيقال:
إن أهل الشام قالوا له مقدما احتياطا للخروج من المأزق إذا وقعوا فيه: إننا إذا شعرنا بخطر الهزيمة سنرفع المصاحف على أسنة الرماح فاعمل الإشارة ويتبعونها ويضيف ملر - تمشيا مع روح سيف ابن عمر تماما - أنه سيستعين في ذلك بالعامة على أساس أن أهل العراق لن يلبوا جميعا إشارته بمجرد صدورها. ولكن الأشعث لم يبدأ عمله أبدا في هذه الرحلة بل كان ذلك بعد أن أصدر علي أمره بوقف القتال والأشتر لم يسخر منه حينما اضطر إلى إغماد سيفه بل من آخرين غيره وهذا هو الذي حدث حسب رواية أبي مخنف على الأقل. أما الدينوري واليعقوبي ومؤرخون آخرون متأخرون جدا وأقل قيمة فقد أوردوا رواية أخرى.
ولكن هؤلاء ضمنوا تخميناتهم وقائع وحقائق ولهذا لا قيمة لرواياتهم بإزاء رواية أبي مخنف الذي لم يكن لديه ما يدعوه إلى إبعاد الشبهة عن الأشعث. ويذكر اليعقوبي أن معاوية كان قد كسب لصفه الأشعث وأن هذا قد حمل عليا على عزل الأشتر. وكان اليمانية في صفه وكاد ينشب القتال بين الأشعث والأشتر لكن يمانية الكوفة كانوا هم أنفسهم أبرز أنصار علي (الكامل) (539). وكان الأشتر على رأس أقوى قبائل اليمانية وهما قبيلتا همدان ومذحج حينما انتصر في صفين. وفي رواية اليعقوبي هنا ذكرى للحادثة التي وقعت بين الأشعث وعروة بن أدية التميمي. فانتصر اليمانية للأشعث ضد بني تميم وكاد أن ينشب القتال بين اليمانية وبين تميم. ومن المفيد هنا ما لاحظه ملر (1: 325) وفقا لفكرة أضحت
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 15 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»
الفهرست