مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٢٣
هجومها، ووضع الإنكليز شرذمة من الرجال بأيديهم آلات من الخشب تدار فتحدث أصواتا كأصوات الرصاص المنطلق من الأسلحة النارية، فلما خرج الثوار إلى مكان الأصوات كان الجيش الانكليزي يترصدهم وقد كمن لهم في طريقهم وراء أشجار الصفصاف القائمة على ضفاف الأنهار، فلما صار الثوار على مقربة من الجيش الانكليزي أمطرهم بوابل من الرصاص، فقتل من قتل وجرح من جرح وتشتت الباقون، ودخل الجيش الانكليزي دلتاوة وفعل باهلها الأفاعيل من قتل الرجال وتشريد العيال وقطع الأشجار وحرق الديار، وكان هو فيمن خرج لمشاهدة الطيارة التي قيل أنها أسقطت فلم يجد سوى الخراطيش الفارغة، ولما رأى دلتاوة قد صارت في قبضة الجيش الانكليزي يصنع بها ما يشاء أشفق من الرجوع إلى داره ولاذ هو وصبية آخرون بالبساتين التي قضوا فيها ليلة ليلاء ثقيلة السحاب ماطرة شديدة الريح... وبعد أن عادت الأمور إلى مجاريها واستتب الأمن في دلتاوة أمر الإنكليز بفتح مدارسها، أما هو فقد انصرف إلى العمل في بساتينه عاقدا العزم على المضي في عمله هذا، ولكن ذات يوم رآه ابن مدير المدرسة الذي حبب إليه دخول المدرسة فدخلها على قلة ما يصيبه من الغلة وضيق ذات يده وشدة حاجته حتى أنه لم يكن في وسعه أن يشتري حذاء له بدلا من حذائه القديم البالي المتهري، ولما صار في الصف الخامس علم أن في بغداد دار المعلمين الابتدائية تقبل الطلاب فيها بعد الامتحان، فغادر دلتاوة إلى بغداد وبعد أن نجح في الامتحان قبل في هذه المدرسة التي قوي فيها ميله إلى دراسة العربية وظهرت رغبته في نظم الشعر حتى أنه أخذ يكتب مواضيع الإنشاء نظما ونثرا مما جعل مدرس الإنشاء يعجب به ويثني عليه، وعند تخرجه من هذه المدرسة عين معلما في مدرسة الناصرية الابتدائية التي بعد أن قضى فيها نحو سنة ونصف السنة نقل إلى مدرسة السيف الابتدائية في البصرة، ومنها إلى مدرسة الكاظمية الابتدائية، ومنها إلى مدرسة دلتاوة الابتدائية، ثم اختير للتحرير في وزارة التربية والتعليم التي كانت تدعى حينئذ وزارة المعارف، ثم أصبح معلم اللغة العربية في المدرسة المأمونية الابتدائية. وعند ما كان معلما في هذه المدرسة نشر كتاب الحوادث الجامعة وبحوثا علمية في مجلة لغة العرب، وفي سنة 1932 صار مدرس اللغة العربية في المدرسة المتوسطة الشرقية، واستمر على نشر آثاره نثرا وشعرا ونظما في مجلة لغة العرب ومساعدة صاحبها اللغوي الشهير الأب انستاس ماري الكرملي في تحريرها مجانا.
وفي سنة 1934 سافر إلى باريس ودخل كلية السوربون لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب في موضوع سياسة الدولة العباسية في أواخر عصورها، فظفر بما أراد، وبعد رجوعه إلى العراق في سنة 1939 عين أستاذا في دار المعلمين العالية، ثم نقل منها إلى مديرية الآثار القديمة العامة التي عين ملاحظا فنيا فيها، ثم رجع إلى التدريس في دار المعلمين العالية التي صارت تسمى كلية التربية بعد إنشاء جامعة بغداد، وفي عمله هذا بقي إلى آخر أيامه وأن أقعده المرض العضال في داره وحال بينه وبين النهوض بعمله الرسمي.
وقد انتخب عضوا مراسلا في المجمع العلمي العربي في دمشق، ثم عضوا عاملا في المجمع العلمي العراقي، ونشر كثيرا من شعره في المجلات والصحف، ونقل إلى العربية رباعيات الشاعر الرياضي الفيلسوف عمر الخيام ورباعيات الأديب الإيراني حسين قدسي نخعى، وترجم وشارك في ترجمة الكثير من الكتب والتعقيب عليها، وله فصول مستفيضة في التراث الشعبي العراقي ومعلومات واسعة عن المقام العراقي وأشهر الذين أتقنوه وبرعوا فيه.
وقد جمع شعره بخطه الرقعة في دفتر أراد أن يخرجه ديوانا يسمى الشعور المنسجم في الكلام المنتظم، بيد أن المنية أدركته قبل أن يحقق أمنيته، فما زال هذا الديوان مخطوطا ومن شعره قصيدته باريس قبل الحرب التي نظمها سنة 1939 وفيها يقول:
رمت حسرة بالفجر فارتعب الفجر * وآهت لآتى البين فاضطرب الصدر وددت لو الدنيا يزول انتظامها * وبالليلة الليلاء يستنفد العمر تجلدت حتى حطم الكظم أضلعي * وكاد من العينين ينتثر الجمر فيا حسرة طال اكتئابي بذكرها * ويا آهة ما زال يعقبها البهر لئن مزقت قلبي وأوهت حشاشتي * لقد تركت عزما يدين له الدهر أرى بارق الآمال يدعو عزيمتي * إلى خطة خشناء يعقبها النصر حللت بباريس وباريس جنة * على غير حكم الله يجري بها الأمر حدائقها غلب تناهى جمالها * ففاح بها روح الطبيعة والعطر وفيها ذوات الحسن من كل كاعب * بهالة شعر والمحيا هو البدر تكللها سود الشعور وشقرها * فأسودها وحف وأشقرها تبر يكاد يطير القلب أما تباغمت * بأنغام صوت حشوه السحر والشعر فمن شاء حسنا فهو فيها موفر * ومن شاء علما فهي في علمها بحر ومن شاء آدابا رأى خيرها بها * فان الفرنسيين ما فيهم كبر ومن شاء إيمانا فللدين حرمة * ومن شاء الحادا فما عدم الكفر وقصيدته ولدي:
يقول: بابا، إذا ما مضه الألم * أو يذرف الدمع وهو الشاهد العلم بابا وماما ولا منطوق غيرهما * هما لعمري لديه المنطق الخذم بابا فدى لك يا روحي وعاقبتي * إذا بقيت وأفنى جسمي العدم لا تحرجوه فبابا عنده وزر * أو تؤلموه فدمع العين يحتدم كان بابا هو الدنيا بأجمعها * وأن ماما اله رازق لهم يقولها راضيا أو غاضبا حردا * فالخير بالشر في باباه ملتئم يقول: بابا ويومئ لي فأحمله * كما يشاء فانا عنده خدم وأن خرجت يناديني بلهجته * بابا فتثبت من تلقائها القدم أن يحتكم فهو حكم لا يعقبه * نقض وإنفاذه فرض وملتزم يجمجم الصوت في تبيان مأربه * من غير ميز ولكنا له فهم وطالما كنت استصبى فارقصه * فإنما أنسه الترقيص والرنم وقصيدته الشاعر التي منها:
من بنى الأرض واصطفته السماء * فتجلى فيما يقول البهاء عاشق للكمال صب برشد * ضاق عن بعض ما يريد الفضاء يتحرى الجمال في كل ليلى * فهو مجنونها وليلى الشفاء كان أحرى بان يكون نبيا * في سجاياه ما يرى الأنبياء ومن آخر شعره البيتان الحزينان المؤلمان التاليان اللذان يفيضان أسى ولوعة لطول ما عانى من الآلام وفرط ما تجرع من العذاب والأحزان وليقينه بدنو منيته وقرب نهايته:
رشحتني الأقدار للموت لكن * أخرتني لكي يطول عذابي ومحت لي الآلام كل ذنوبي * ثم أضحت مدينة لحسابي
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370