تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ١٢٤
وقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول...) الآية: (استجيبوا) بمعنى: أجيبوا وقوله: (لما يحييكم) قال مجاهد والجمهور: المعنى للطاعة، وما يتضمنه القرآن، وهذا إحياء مستعار، لأنه من موت الكفر والجهل، والطاعة تؤدي إلى الحياة الدائمة في الآخرة.
وقوله سبحانه: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) يحتمل وجوها.
منها: أنه لما أمرهم سبحانه بالاستجابة في الطاعة، حضهم على المبادرة والاستعجال، وأعلمهم أنه يحول بين المرء وقلبه بالموت والقبض، أي: فبادروا الطاعات، ويلتئم مع هذا التأويل قوله: (وأنه إليه تحشرون)، أي: فبادروا الطاعات، وتزودوها ليوم الحشر.
ومنها: أن يقصد إعلامهم أن قدرة الله وعلمه وإحاطته حائلة بين المرء وقلبه، فكان هذا المعنى يحض على المراقبة والخوف لله المطلع على الضمائر، حكي هذا التأويل عن قتادة ويحتمل أن يريد تخويفهم، إن لم يمتثلوا الطاعات، ويستجيبوا لله وللرسول، أن يحل بهم ما حل بالكفار الذين أرادهم بقوله: (ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) [الأنفال: 23]، لأن حتمه عليهم بأنهم لو سمعوا لم ينتفعوا يقتضي أنه كان قد حال بينهم وبين قلوبهم.
ومنها: أن يكون المعنى ترجية لهم بأن الله يبدل الخوف الذي في قلوبهم من كثرة العدو، فيجعله جراءة وقوة، وبضد ذلك للكفار، أي: فإن الله تعالى هو مقلب القلوب، كما كان قسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل غير هذا.
قال مكي، وقال الطبري: هذا خبر من الله عز وجل، أنه أملك بقلوب العباد منهم لها، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا من إيمان ولا كفر، ولا يعي شيئا، ولا يفهم شيئا إلا بإذنه ومشيئته سبحانه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول في
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة