تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٣٨
وفيه أخرج ابن سعد وابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت عائشة وحفصة متحابتين فذهبت حفصة إلى بيت أبيها تحدث عنده فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة فوجدتهما في بيتها فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم جاريته ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك والله لقد سوأتني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لأرضينك وإني مسر إليك سرا فاحفظيه، قالت: ما هو؟ قال: إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضا لك.
فانطلقت حفصة إلى عائشة فأسرت إليها أن أبشري إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه فتاته فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم أظهر الله النبي صلى الله عليه وسلم عليه فأنزل الله: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ".
أقول: انطباق ما في الحديث على الآيات وخاصة قوله: " عرف بعضه وأعرض عن بعض " فيه خفاء.
وفيه أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: " وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا " قال: دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو يطأ مارية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخبري عائشة حتى أبشرك بشارة فإن أباك يلي الامر بعد أبي بكر إذا أنا مت.
فذهبت حفصة فأخبرت عائشة فقالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنبأك هذا؟ قال:
نبأني العليم الخبير، فقالت عائشة: لا أنظر إليك حتى تحرم مارية فحرمها فأنزل الله " يا أيها النبي لم تحرم ".
أقول: والآثار في هذا الباب كثيرة على اختلاف فيها، وفي أكثرها أنه صلى الله عليه وآله وسلم حرم مارية على نفسه لقول حفصة لا لقول عائشة، وأن التي قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: " من أنبأك هذا " هي حفصة تريد من أخبرك أني أفشيت السر دون عائشة.
وهي مع ذلك لا تزيل إبهام قوله تعالى: " عرف بعضه وأعرض عن بعض ". نعم فيما رواه ابن مردويه عن علي قال: ما استقصى كريم قط لان الله يقول: " عرف بعضه وأعرض عن بعض "، وروي عن أبي حاتم عن مجاهد، وابن مردويه عن ابن عباس: أن الذي عرف أمر مارية والذي أعرض عنه قوله: إن أباك وأباها يليان الناس بعدي مخافة أن يفشو.
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»
الفهرست