تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣١٤
لشرائعه فعمل بها " يجعل له مخرجا " من مضائق مشكلات الحياة فإن شريعته فطرية يهدى بها الله الانسان إلى ما تستدعيه فطرته وتقضي به حاجته وتضمن سعادته في الدنيا والآخرة " ويرزقه " من الزوج والمال وكل ما يفتقر إليه في طيب عيشه وزكاة حياته " من حيث لا يحتسب " ولا يتوقع فلا يخف " من حيث لا يحتسب " ولا يتوقع فلا يخف لمؤمن أنه إن اتقى الله واحترم حدوده حرم طيب الحياة وابتلي بضنك المعيشة فإن الرزق مضمون والله على ما ضمنه قادر.
" ومن يتوكل على الله " باعتزاله عن نفسه فيما تهواه وتأمر به وإيثاره إرادة الله سبحانه على إرادة نفسه والعمل الذي يريده الله على العمل الذي تهواه وتريده نفسه وبعبارة أخرى تدين بدين الله وعمل بأحكامه " فهو حسبه " أي كافية فيما يريده من طيب العيش ويتمناه من السعادة بفطرته لا بواهمته الكاذبة.
وذلك أنه تعالى هو السبب الاعلى الذي تنتهي إليه الأسباب فإذا أراد شيئا فعله وبلغ ما أراده من غير أن تتغير إرادته فهو القائل: " ما يبدل القول لدي " ق: 29، أو يحول بينه وبين ما أراده مانع فهو القائل: " والله يحكم لا معقب لحكمه " الرعد: 41، وأما الأسباب الاخر التي يتشبث بها الانسان في رفع حوائجه فإنما تملك من السببية ما ملكها الله سبحانه وهو المالك لما ملكها والقادر على ما عليه أقدرها ولها من الفعل مقدار ما أذن الله فيه.
فالله كاف لمن توكل عليه لا غيره " إن الله بالغ أمره " يبلغ حيث أراد، وهو القائل:
" إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " " قد جعل الله لكل شئ قدرا " فما من شئ إلا له قدر مقدور وحد محدود والله سبحانه لا يحده حد ولا يحيط به شئ وهو المحيط بكل شئ.
هذا هو معنى الآية بالنظر إلى وقوعها في سياق آيات الطلاق وانطباقها على المورد.
وأما بالنظر إلى إطلاقها في نفسها مع الغض عن السياق الذي وقعت فيه فقوله: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " مفاده أن من اتقى الله بحقيقة معنى تقواه ولا يتم ذلك إلا بمعرفته تعالى بأسمائه وصفاته ثم تورعه واتقاؤه بالاجتناب عن المحرمات وتحرز ترك الواجبات خالصا لوجهه الكريم، ولازمه أن لا يريد إلا ما يريده الله من فعل أو ترك، ولازمه أن يستهلك إرادته في إرادة الله فلا يصدر عنه فعل إلا عن إرادة من الله.
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»
الفهرست