تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٣٧
بالدين وأحكامه الثابتة بالضرورة، فإن الآيات المتعرضة لها الناهية عنها تأبى شمول المغفرة لها من غير توبة، ومثلها قتل النفس المحترمة ظلما والفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، واستباحة الدماء والاعراض والأموال.
ومن المعلوم أن المحذور إمكان تعلق المغفرة بأمثال هذه المعاصي والذنوب لا فعلية تعلقها بها فلا يدفع بأن الله سبحانه يحفظ هذا المكلف المغفور له من اقتراف أمثال هذه المعاصي والذنوب وإن كان غفر له لو اقترف.
وثانيا: أن يخصص قوله: " اعملوا ما شئتم " عمومات جميع الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات من حيث المتعلق فلا يعم شئ منها البدريين ولا يتعلق بهم، ولو كان كذلك لكان معروفا عند الصحابة مسلما لهم أن هؤلاء العصابة محررون من كل تكليف ديني مطلقون من قيد وظائف العبودية وكان البدريون أنفسهم أحق برعاية معنى التحرير فيما بينهم أنفسهم على ما له من الأهمية، ولا شاهد يشهد بذلك في المروي من أخبارهم والمحفوظ من آثارهم بل المستفاد من سيرهم وخاصة في خلال الفتن الواقعة بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف ذلك بما لا يسع لاحد إنكاره.
على أن تحرير قوم ذوي عدد من الناس وإطلاقهم من قيد التكليف لهم أن يفعلوا ما يشاؤن وأن لا يبالوا بمخالفة الله ورسوله وإن عظمت ما عظمت يناقض مصلحة الدعوة الدينية وفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبث المعارف الإلهية التي جاء بها الرسول بالرواية عنه إذ لا يبقى للناس بهم وثوق فيما يقولون ويروون من حكم الله ورسوله أن لا ضير عليهم ولو أتوا بكل كذب وافتراء أو اقترفوا كل منكر وفحشاء والناس يعلمون منهم ذلك.
ويجري ذلك في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو سيد أهل بدر وقد أرسله (1) الله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فكيف تطمئن القلوب إلى دعوة من يجوز تلبسه بكل كذب وافتراء ومنكر وفحشاء؟ وأنى تسلم النفوس له الاتصاف بتلك الصفات الكريمة التي مدحه الله بها؟ بل كيف يجوز في حكمته تعالى أن يقلد الشهادة والدعوة من لا يؤمن في حال أو مقال، ويعده سراجا منيرا وهو تعالى قد أباح له أن يحيي الباطل كما (1) الآية 45 - 46 من سورة الأحزاب.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست