تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٢٦
و " من " في قوله: " من شجر " للابتداء، وفي قوله: " من زقوم " بيانية ويحتمل أن يكون " من زقوم " بدلا من " من شجر "، وضمير " منها " للشجر أو الثمر وكل منهما يؤنث ويذكر ولذا جئ ههنا بضمير التأنيث وفي الآية التالية في قوله: " فشاربون عليه " بضمير التذكير، والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم " كلمة " على " للاستعلاء وتفيد في المورد كون الشرب عقيب الاكل من غير ريث، والهيم جمع هيماء الإبل التي أصابها الهيام بضم الهاء وهو داء شبه الاستسقاء يصيب الإبل فتشرب الماء حتى تموت أو تسقم سقما شديدا، وقيل: الهيم الرمال التي لا تروى بالماء.
والمعنى: فشاربون عقيب ما أكلتم من الزقوم من الماء الشديد الحرارة فشاربون كشرب الإبل الهيم أو كشرب الرمال الهيم وهذا آخر ما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوله لهم.
قوله تعالى: " هذا نزلهم يوم الدين " أي يوم الجزاء والنزل ما يقدم للضيف النازل من طعام وشراب إكراما له، والمعنى: هذا الذي ذكر من طعامهم وشرابهم هو نزل الضالين المكذبين ففي تسمية ما أعد لهم بالنزل نوع تهكم، والآية من كلامه تعالى خطابا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطابا لهم لقيل: هذا نزلكم.
(بحث روائي) في الدر المنثور أخرج ابن مردويه وابن عساكر من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت إذا وقعت الواقعة ذكر فيها " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " قال عمر: يا رسول الله ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: تعال واستمع ما قد أنزل الله: " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ".
ألا وإن من آدم إلي ثلة وأمتي ثلة ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان رعاة الإبل ممن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. قال السيوطي: وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عروة بن رويم مرسلا.
وفيه أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: لما نزلت " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " حزن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إذن لا يكون من أمة محمد إلا قليل
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست