تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٢٥
الدنيا بطرين طاغين بالنعم.
قوله تعالى: " وكانوا يصرون على الحنث العظيم " في المجمع: الحنث نقض العهد المؤكد بالحلف، والاصرار أن يقيم عليه فلا يقلع عنه. انتهى. ولعل المستفاد من السياق أن إصرارهم على الحنث العظيم هو استكبارهم عن عبودية ربهم التي عاهدوا الله عليها بحسب فطرتهم وأخذ منهم الميثاق عليها في عالم الذر فيطيعون غير ربهم وهو الشرك المطلق.
وقيل: الحنث الذنب العظيم فتوصيفه بالعظيم مبالغة والحنث العظيم الشرك بالله، وقيل: الحنث العظيم جنس المعاصي الكبيرة، وقيل: هو القسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " النحل: 38، ولفظ الآية مطلق.
قوله تعالى: " وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون " قول منهم مبني على الاستبعاد ولذا أكدوا استبعاد بعث أنفسهم ببعث آبائهم لان الاستبعاد في موردهم آكد، والتقدير أو آباؤنا الأولون مبعوثون.
قوله تعالى: " قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " أمر منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب عن استبعادهم البعث بتقريره ثم إخبارهم عما يعيشون به يوم البعث من طعام وشراب وهما الزقوم والحميم.
ومحصل القول أن الأولين والآخرين - من غير فرق بينهم لا كما فرقوا فجعلوا بعث أنفسهم مستبعدا وبعث آبائهم الأولين أشد استبعادا وآكد - لمجموعون محشورين إلى ميقات يوم معلوم.
والميقات ما وقت به الشئ وهو وقته المعين، والمراد بيوم معلوم يوم القيامة المعلوم عند الله فإضافة الميقات إلى يوم معلوم بيانية.
قوله تعالى: " ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون " من تمام كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبرهم عما ينتهي إليه حالهم يوم القيامة ويعيشون به من طعام وشراب.
وفي خطابهم بالضالين المكذبين إشارة إلى ملاك شقائهم وخسرانهم يوم البعث وهو ضلالهم عن طريق الحق واستقرار ذلك في نفوسهم باستمرارهم على تكذيبهم وإصرارهم على الحنث، ولو كانوا ضالين فحسب من غير تكذيب لكان من المرجو أن ينجوا ولا يهلكوا.
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست