تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٤٢
قوله تعالى: (ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) إلى آخر الآيتين. تعريض وذم للذين سبق ذكرهم من الكفار على ما يعطيه سياق الكلام وما اشتملت عليه الآية من الموصول والضمائر المستعملة في أولى العقل، وعلى هذا فالظاهر أن اللام في قوله: (الصم البكم) للعهد الذكرى، ويؤول المعنى إلى أن شر جميع ما يدب على الأرض من أجناس الحيوان وأنواعها هؤلاء الصم البكم الذين لا يعقلون، وإنما لم يعقلوا لأنه لا طريق لهم إلى تلقى الحق لفقدهم السمع والنطق فلا يسمعون ولا ينطقون.
ثم ذكر تعالى ان الله إنما ابتلاهم بالصمم والبكمة فلا يسمعون كلمة الحق ولا ينطقون بكلمة الحق، وبالجملة حرمهم نعمة السمع والقبول، لأنه تعالى لم يجد عندهم خيرا ولم يعلم به ولو كان لعلم، لكن لم يعلم فلم يوفقهم للسمع والقبول، ولو أنه تعالى رزقهم السمع والحال هذه لم يثبت السمع والقبول فيهم بل تولوا عن الحق وهم معرضون.
ومن هنا يعلم أن المراد بالخير حسن السريرة الذي يثبت به الاستعداد لقبول الحق ويستقر في القلب، وان المراد بقوله: (ولو أسمعهم) الاسماع على تقدير عدم الاستعداد الثابت المستقر فافهم ذلك فلا يرد انه تعالى لو أسمعهم ورزقهم قبول الحق استلزم ذلك تحقق الخير فيهم ولا وجه مع ذلك لتوليهم وإعراضهم وذلك أن الشرط في قوله: (ولو أسمعهم) على تقدير فقدهم الخير على ما يفيده السياق.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) لما دعاهم في قوله: (أطيعوا الله ورسوله) الخ إلى إطاعة الدعوة الحقة وعدم التولي عنها بعد استماعها أكده ثانيا بالدعوة إلى استجابة الله والرسول في دعوة الرسول، ببيان حقيقة الامر والركن الواقعي الذي تعتمد عليه هذه الدعوة وهو ان هذه الدعوة دعوة إلى ما يحيى الانسان بإخراجه من مهبط الفناء والبوار، وموقفه في الوجود، ان الله سبحانه أقرب إليه من قلبه وانه سيحشر إليه فليأخذ حذره وليجمع همه ويعزم عزمه.
الحياة أنعم نعمة وأعلى سلعة يعتقدها الموجود الحي لنفسه كيف لا؟ وهو لا يرى وراءه الا العدم والبطلان، وأثرها الذي هو الشعور والإرادة هو الذي ترام
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست