تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٤٦
وقيل: المعنى إذا دعاكم إلى الشهادة في سبيل الله في جهاد عدوكم فإن الله سبحانه عد الشهداء احياء كما في قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) آل عمران: 169.
وقيل: المعنى إذا دعاكم إلى الايمان، فإنه حياة القلب والكفر موته، أو إذا دعاكم إلى الحق.
وقيل: المعنى إذا دعاكم إلى القرآن والعلم في الدين لان العلم حياة والجهل موت والقرآن نور وحياة وعلم.
وقيل: المعنى إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة والنعمة الباقية الأبدية.
وهذه الوجوه المذكورة يقبل كل واحد منها انطباق الآية عليه غير أن الآية كما عرفت مطلقة لا موجب لصرفها عما لها من المعنى الوسيع.
قوله تعالى: (واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه إليه تحشرون) الحيلولة هي التخلل وسطا، والقلب العضو المعروف. ويستعمل كثيرا في القرآن الكريم في الامر الذي يدرك به الانسان ويظهر به أحكام عواطفه الباطنة كالحب والبغض والخوف والرجاء والتمني والقلق ونحو ذلك فالقلب هو الذي يقضى ويحكم، وهو الذي يحب شيئا ويبغض آخر، وهو الذي يخاف ويرجو ويتمنى ويسر ويحزن، وهو في الحقيقة النفس الانسانية تفعل بما جهزت به من القوى والعواطف الباطنة.
والانسان كسائر ما أبدعه الله من الأنواع التي هي أبعاض عالم الخلقة مركب من اجزاء شتى مجهز بقوى وأدوات تابعة لوجوده يملكها ويستخدمها في مقاصد وجوده، والجميع مربوطة به ربطا يجعل شتات الاجزاء والابعاض على كثرتها وتفاريق القوى والأدوات على تعددها، واحدا تاما يفعل ويترك، ويتحرك ويسكن، بوحدته وفردانيته.
غير أن الله سبحانه لما كان هو المبدع للانسان وهو الموجد لكل واحد واحد من اجزاء وجوده وتفاريق قواه وأدواته كان هو الذي يحيط به وبكل واحد من اجزاء وجوده وتوابعه، ويملك كلا منها بحقيقة معنى الملك يتصرف فيه كيف يشاء، ويملك الانسان ما شاء منها كيف شاء فهو المتوسط الحائل بين الانسان وبين كل
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست