تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٦١
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا. قلت: وكيف لي بذلك؟ قال: إذا رزقت فلا تخبأ، وإذا سئلت فلا تمنع، قلت: وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك وإلا فالنار.
(كلام في معنى الكنز) لا ريب أن المجتمع الذي أوجده الانسان بحسب طبعه الأولى إنما يقوم بمبادلة المال والعمل، ولولا ذلك لم يعش المجتمع الانساني ولا طرفة عين فإنما يتزود الانسان من مجتمعه بأن يحرز أمورا من أوليات المادة الأرضية ويعمل عليها ما يسعه من العمل ثم يقتنى من ذلك لنفسه ما يحتاج إليه، ويعوض ما يزيد على حاجته من سائر ما يحتاج إليه مما عند غيره من افراد المجتمع كالخباز يأخذ لنفسه من الخبز ما يقتات به ويعوض الزائد عليه من الثوب الذي نسجه النساج وهكذا فإنما اعمال المجتمعين في ظرف اجتماعهم بيع وشرى ومبادلة ومعاوضة.
والذي يتحصل من الأبحاث الاقتصادية أن الانسان الأولى كان يعوض في معاملاته العين بالعين من غير أن يكونوا متنبهين لأزيد من ذلك غير أن النسب بين الأعيان كانت تختلف عندهم باشتداد الحاجة وعدمه، وبوفور الأعيان المحتاج إليها وإعوازها فكلما كانت العين أمس بحاجة الانسان أو قل وجودها توفرت الرغبات إلى تحصيلها، وارتفعت نسبتها إلى غيرها، وكلما بعدت عن مسيس الحاجة أو ابتذلت بالكثرة ه والوفور انصرفت النفوس عنها وانخفضت نسبتها إلى غيرها، وهذا هو أصل القيمة.
ثم إنهم عمدوا إلى بعض الأعيان العزيزة الوجود عندهم فجعلوها أصلا في القيمة تقاس إليه سائر الأعيان المالية بمالها من مختلف النسب كالحنطة والبيضة والملح فصارت مدارا تدور عليها المبادلات السوقية، وهذه السليقة دائرة بينهم في بعض المجتمعات الصغيرة في القرى وبين القبائل البدوية حتى اليوم.
ولم يزالوا على ذلك حتى ظفروا ببعض الفلزات كالذهب والفضة والنحاس ونحوها فجعلوها أصلا إليه يعود نسب سائر الأعيان من جهة قيمها، ومقياسا واحدا يقاس إليها غيرها فهى النقود القائمة بنفسها وغيرها يقوم بها.
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»
الفهرست