تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٥٠
قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) قال الراغب: الكنز جعل المال بعضه على بعض وحفظه، وأصله من كنزت التمر في الوعاء، وزمن الكناز وقت ما يكنز فيه التمر، وناقة كناز مكتنزة اللحم، وقوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة) أي يدخرونها، انتهى.
ففي مفهوم الكنز حفظ المال المكنوز وادخاره ومنعه من أن يجرى بين الناس في وجوه المعاملات فينمو نماء حسنا، ويعم الانتفاع به في المجتمع فينتفع به هذا بالأخذ، وذاك بالرد، وذلك بالعمل عليه وقد كان دأبهم قبل ظهور البنوك والمخازن العامة أن يدفنوا الكنوز في الأرض سترا عليها من أن تقصد بسوء.
والآية وإن اتصلت في النظم اللفظي بما قبلها من الآيات الذامة لأهل الكتاب والموبخة لأحبارهم ورهبانهم في أكلهم أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله إلا أنه لا دليل من جهة اللفظ على نزولها فيهم واختصاصها بهم البتة.
فلا سبيل إلى القول بان الآية إنما نزلت في أهل الكتاب وحرمت الكنز عليهم، وأما المسلمون فهم وما يقتنون من ذهب وفضة يصنعون بأموالهم ما يشاؤون من غير باس عليهم.
والآية توعد الكانزين إيعادا شديدا، ويهددهم بعذاب شديد غير أنها تفسر الكنز المدلول عليه بقوله: (الذين يكنزون الذهب والفضة) بقوله: (ولا ينفقونها في سبيل الله) فتدل بذلك على أن الذي يبغضه الله من الكنز ما يلازم الكف عن إنفاقه في سبيل الله إذا كان هناك سبيل.
وسبيل الله على ما يستفاد من كلامه تعالى هو ما توقف عليه قيام دين الله على ساقه وأن يسلم من انهدام بنيانه كالجهاد وجميع مصالح الدين الواجب حفظها، وشؤون مجتمع المسلمين التي ينفسخ عقد المجتمع لو انفسخت، والحقوق المالية الواجبة التي أقام الدين بها صلب المجتمع الديني، فمن كنز ذهبا أو فضة والحاجة قائمة والضرورة عاكفة فقد كنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله فليبشر بعذاب أليم فإنه آثر نفسه على ربه وقدم حاجة نفسه أو ولده الاحتمالية على حاجة المجتمع الديني القطعية.
ويستفاد هذا مما في الآية التالية من قوله: (هذا ما كنزتم لأنفسكم) فإنه يدل
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»
الفهرست